عرفت المملكة منذ تأسيسها بأنها رائدة من أهم رواد العمل الخيري عالميا، وهي بهذا التوجه تتساوق مع مبادئ الإسلام وتشريعاته التي تحث المسلم على فعل الخير طلبا للأجر والمثوبة وما عند ربك خير وأبقى. كما أن المملكة باهتمامها بالعمل الخيري والتطوعي تنطلق من ثقافة عربية أصيلة معتنقها على يقين بأن من يفعل الخير، لا يعدم جوازيه، ففاعل الخير مأجور وموعود بالخير على مستويات منظورة وظاهرة وأخرى قد لا يتأتى لنا إدراك كنهها ولا تلمس آثارها بشكل مباشر، لكننا ندركه معنويا، بدفع ضر، وانصراف شرور، أو زيادة خير، أو تجنيب البلاد والعباد صوارف الدهر، كانت تحيق بنا هذه القناعة الراسخة يجسدها حرص ظاهر على المستوى الحكومي والشعبي على فعل الخير والتسابق نحو العمل الخيري والتطوعي والملك عبد الله بن عبد العزيز هو في حقيقته يد بذل وعطاء وبلادنا في عهده شهدت في مجالات العمل الخيري إصلاحات كبرى، لذا لم يكن مستغربا أن يحظى العمل التطوعي والخيري بالتفاته منه يحفظه الله ولم يطل الانتظار طويلا فها هي مؤسسة الملك عبدالله للأعمال الخيرية تأخذ مكانها نحو الواجهة بقرار حكيم لتكمل عقد الوزارات والمصالح الحكومية التي تعنى بالشأن العام وتنظمه وتشرف عليه وخطوة كهذه كانت منتظرة من ملك بحجم خادم الحرمين الشريفين حريص على فعل الخير مشغول بالإصلاح الوطني وهاجسه الأكبر ترسيخ الصورة الصحيحة لبلد يمثل قبلة للمسلمين ومحط أنظار العالم المتقدم، معلوم أن العمل الخيري في بلادنا كان رغم ضخامته ممارسة معتادة كما تقدم، لكنه كان في أمس الحاجة لأمرين: الأول: المؤسساتية. والأمر الآخر: الاعتماد على العلمية والبحث المنهجي المقنن، والملك الذي التفت لكل مناحي الحياة وأحدث فيها نقلات نوعية، يلتفت لملف العمل الخيري والتطوعي ويمنحه إصلاحا مهما يحتاجه بل يذهب بوطنه بخطوة كهذه إلى آفاق الريادة، فالأمر الملكي يرسخ الصورة الجميلة لبلادنا كرائدة من رواد العمل الخيري على مستوى العالم، وبعد أن أثبتت أحداث متفرقة في أماكن متعددة من العالم وآخرها فيضانات الباكستان أن المملكة اسم حاضر بقوة في عالم العمل الخيري. كما أن هذا الأمر الملكي الواعي يؤكد حرص القائد على ضبط العمل الخيري والقضاء على عشوائيته وضمان استمراره وفق صيغ تحفظ للبلاد هويتها وأمنها وأعظم ما حفل به هذا القرار الملكي الكريم هو أنه منح العمل الخيري ما يحتاجه، حيث إنه كان في حاجة ماسة للاستنجاد بالأسلوب العلمي والبحوث المقننة لتحديد الأولويات، وهذا من شأنه مستقبلا توسيع دائرة العمل الخيري ليشمل مجالات ربما لا تكون ضمن دائرته حاليا لاعتبارات غياب العلمية والمنهجية والبحوث العلمية التي توجه العمل الخيري والتطوعي نحو الفضاءات التي يجب أن يتجه إليها وبهذه الخطوة الرائدة والخلاقة يقدم الملك خدمة عظيمة للعمل الخيري والتطوعي، ولعلي هنا أرى في هذا القرار أكبر من مجرد إنشاء مؤسسة ترعى العمل الخيري والتطوعي إلى إصلاح نوعي منتظر لقطاع كان في أمس الحاجة إلى أن نلتفت إليه في بلادنا، هنا لا نجامل القرار بقدر ما نستشعر عظمة توقيته وقيمته المستقبلية ومردوده على قطاع العمل الخيري كان من المهم جدا التحول نحو خطوة رائدة كهذه ترسخ صورة بلادنا وصورة قائدنا الإنسان عبد الله بن عبد العزيز رمز العطاء الإنساني المخلص وتتحول بالعمل الخيري نحو ممارسات مؤسسية ناضجة تستنجد بأساليب علمية بحتة وترفد العمل الخيري بالبحوث المقننة التي تنحو بالعمل التطوعي والخيري بعيدا عن العشوائية. («عكاظ»9/10/1431ه) ناصر بن محمد العمري المخواة