في منتصف هذا الشهر تنتهي المهلة التي حددها بعض المحتسبين والمحسوبين على العلم الشرعي الصحيح لأسواق بنده حتى تتراجع عن قرارها في توظيف نساء محتاجات في وظائف كاشيرات في مكان عام ومفتوح ووفق الضوابط الشرعية وتحقيقا للمبدأ الإسلامي صنعة في اليد أمان من الفقر. وإلا سيكون مصيرها المقاطعة في حملة ظالمة لا أساس لها في الدين الإسلامي الذي حث المرأة على العمل وجعله مبدأ ثابتا وقيمة أخلاقية عالية طالما أن المرأة ملتزمة بالخلق الرفيع والآداب العامة مثلها مثل الرجل تماما، وتاريخنا الإسلامي مليء بالنماذج المشرفة للمرأة العاملة في مدينة رسول الله، فهذه أسماء بنت أبي بكر كانت تعمل في أرض زوجها الزبير وتسير كل يوم من مكان عملها إلى بيتها، وفي الصحيحين أن أم مبشر الأنصارية كانت تعمل في نخل لها وأيدها الرسول بقوله لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة إلا كانت له صدقة. وامرأة عبد الله بن مسعود كانت ماهرة في الصناعة، فقالت يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لزوجي ولا لولدي شيء، فهل أنفق عليهم، فقال لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم، وكانت صفية أم الشفاء العدوية ناظرة على سوق المدينة وسراء الأسدية ناظرة على سوق مكة تمنع الغش التجاري. وشهدت اليمامة نسيبة بنت كعب مع خالد بن الوليد. وكانت أم سليم تغزو مع النبي، وشهدت أم عمارة أحدا والحديبية وخيبر وحنينا وعمرة القضاء يقول عنها النبي ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني. وقلد الرسول أمية بنت قيس الغفارية وساما حربيا في غزوة خيبر، وركبت أم حرام البحر طلبا للجهاد. وللمرأة حق إجارة الأجنبي في دارها كما فعلت أم هاني، وقال لها الرسول قد أجرنا من أجرت يا أم هاني، وكانت رفيدة تعالج النساء والرجال في خيمة لها، فالمرأة كانت تشارك في كل مظاهر الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية في مجتمع المدينة لا فرق بين امرأة ورجل تمشي بهم الحياة هادئة كما أراد لها الله أن تكون في المسجد والسوق وكافة أنشطة الحياة. لم يكن لديهم منظرون أو صحويون أو محتسبون يدلسون على الناس بأفكارهم ومعتقداتهم الخاصة، كان حق التحريم والتحليل ملكا لله وحده وليس لأحد أن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، ولكن بإصرار محونا تلك الصفحة الناصعة وقسمنا المجتمع إلى ذكورة وأنوثة مكرسين عادة الفصل التي سادت إبان الدولة العثمانية، وصدقنا أنفسنا أن هذا من صحيح الدين، وقد تمادينا في هذا الفصل التعسفي وتوسعنا فيه مناقضين أنفسنا في فهم حقيقة المرأة، وأنها تمددت داخل أرض الوطن وتعدت حدود الجغرافيا والتاريخ. فكلمة ضوابط شرعية والتي أدخلناها عنوة في كل عمل يراد به خير الوطن كلمة فضفاضة، ونحن دولة أسست ووحدت بالعدل وشرع الله. فكل قوانينها وضوابطها الشرعية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله. في مكةوالمدينة ورسول الله يبني دولته والأحكام تترى من السماء تقنن وتوضح العبادات والواجبات في التكليف والثواب والعقاب للمرأة والرجل على السواء. كان المسجد هو الجامعة والبرلمان والشورى دون فصل أو حواجز. يتلقى المسلمون الذكر والأنثى العلم والمعرفة يسمعون ويتعلمون ويستفسرون. وفي دنياهم كانوا يبيعون ويشترون دون فرق بين رجل وامرأة، فهذه تبيع وهذا يشتري. وفي المعارك والحروب لم نسمع أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد أمر امرأة أن تجلس في بيتها وتنفصل عن مجتمعها، أو جعل السوق سوقين واحدا للذكور وآخر للإناث. إن تعاليم الله للمرأة هي ستر العورة وإدلاء الجلباب لتغطية الجسم والصدر. يقول ابن عطية إن المرأة مأمورة بأن تجتهد في إخفاء زينتها ووقع الاستثناء في ما يظهر بحكم ضرورة الحركة في ما لا بد منه كالوجه والكفين، وفي هذا دلالة على أن المرأة تستخدم يدها ووجهها في البيع والشراء وغيره. وتذكر كتب السيرة أن غزوة بني قينقاع كانت بسبب امرأة مسلمة تبيع في ذلك الحي. كانت المرأة تختلط مع الرجل في مجتمع المدينةومكة وتخرج لتعمل وتجاهد. كما أباح الشارع الكريم انفراد رجل بامراة مع وجود الناس بحيث لا تحتجب أشخاصها عنهم بل بحيث لا يسمعون كلامها. وهذا هو الحاصل على الأقل في عمل المرأة كاشيرة في أسواق الوطن المليئة بكل أنواع العمالة الوافدة. إن قرار الدولة بضرورة عمل المرأة قرار مدروس بعد أن وصلت نسبة البطالة بين الجامعيات 54% وبطالة النساء عموما في مجتمعنا الذي تتساوى فيه المرأة مع الرجل من ناحية العدد إلى 20% حسب آخر إحصائية لمصلحة الإحصائيات لعام 2010م. إن حملة المقاطعة حملة ظالمة هدفها التشويش على كل قرار يتخذ من أجل حماية المرأة من الفاقة والحاجة والعوز ومد يد السؤال أو الانحراف إلى مهاوي الرذيلة لا سمح الله وجعلها علامة مضيئة في عملية التنمية والبناء. إن هؤلاء المطالبين بالمقاطعة يعيشون على غير أرض الواقع، لم يذوقوا مر السؤال وماذا تعني البطالة والفراغ. لو نظرنا إلى المجتمع من حولنا لوجدنا أن المستشفيات والمستوصفات وبعض المراكز التجارية والشركات والمؤسسات تعمل فيها المرأة كطبيبة وممرضة وموظفة ومسؤولة ومحاسبة، فالمرأة من حقها أن تعمل، وتشارك في تنمية الوطن. ولكن هؤلاء الواقفين بالمرصاد لحراك الوطن بمثابة شوكة في حلقه همهم الاعتراض ليظل صوتهم مسموعا. فالمقاطعة عمل غير أخلاقي ولا يؤدي إلا إلى نتائج عكسية، وقد فرحت بأن شركات أخرى حذت حذو بنده في تشغيل النساء، وإن شاء الله الحبل على الجرار فبنات الوطن وأبناؤه أولى من الأجنبي. المقاطعة لم تؤت أكلها مع أعداء الإسلام لأنها طريقة قاصرة. ولن تؤتي ثمارها مع شركة وطنية ناجحة رأسمالها وأصولها عائدة لأبناء الوطن وأهله، لقد أكد فضيلة المفتي حفظه الله أن المقاطعة (طعطعة)، في انتقاد لمروجي المقاطعات التجارية ووصفهم بالمطعطعين المتشددين في أمورهم الدينية والدنيوية. وذلك في محاضرته في جامع الأمير تركي، مؤكدا الابتعاد عن الطعطعة فهي تضر بالنفس وتضر بالناس. وقد أجمعت هيئة كبار العلماء على عدم جدوى المقاطعة، فالمقاطعة ليست جادة إنما هي من اللغو والعبث غير المجدي. أيها المطعطعون دعوا بناتنا يعملن في كل مكان، فأنتم لستم بأوصياء عليهن، عليكم بأنفسكم وأهاليكم، امنعوهم عن العمل. لن نقاطع بل سنشتري كل كبيرة وصغيرة من بنده وأمثالها. أضم صوتي إلى مطالبة عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان المستشار خالد الفاخري بضرورة محاسبة مطلقي الحملات الإليكترونية لمقاطعة بعض الجهات لإجبارها على تغيير سياستها، الرياض 15422 حتى لا يتمادى هؤلاء في الوقوف أمام كل عمل إصلاحي يهدف إلى توظيف النساء وجعل الوطن يتحرك بأيدي أبنائه.