في مثل غد السابع عشر من شهر رمضان المبارك وفي السنة الثانية من الهجرة المباركة حدث بقدرة القادر سبحانه ما غير مجرى التأريخ ومسيرة الزمن ووجه الحياة، وذلك على يد خير خلق الله محمد بن عبد الله وخير رجال بعد الأنبياء والمرسلين، إن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فاقتضت سنة الله التي لا تتبدل ولاتتحول تعليق المسببات بفعل أسبابها، فقيض الله لذلك الحدث أسبابه، والله يحكم لا معقب لحكمه، ولعل الجميع يعلمون من تفاصيل تلك الحادثة ما يغني إعادة الحديث عنه، فحسب ذلك الحدث أن اندرج على لسان كل مسلم ذكره وحتى غير المسلمين. فالكل يعلم أنه التقى جيش المسلمين بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم نبي الله ورسوله بجيش الكفار بقيادة الطاغية أبي جهل في مكان يقال له بدر غرب المدينة على غير ميعاد، ودارت معركة معلومة كان النصر فيها حليف المسلمين. ولقد اهتم علماء الإسلام والمختصون بتلك الغزوة أيما اهتمام لأنها تحمل في طياتها الأعاجيب والدروس والعبر والفوائد الجمة والغفيرة التي لا يستغني عن معرفتها كل مسلم فضلا عن الدعاة والعلماء، ولعلنا في هذه العجالة ولقرب ذكرى المناسبة نذكر من تلك الدروس والعبر والفوائد ما لعله من الأهمية بمكان، فمنها: أنها نزلت فيها آيات تتلى إلى يوم القيامة وذلك لعظم شأنها. ومنها: أن المصالح لا تتحقق إلا بإبعاد العوائق عن طريقها، ولذلك لما كانت مصلحة البشر بالدخول في شرع الله والتمسك فيه وقد حال المشركون دون انتشاره كان لزاما قتل كل من صد عن دين الله كائنا من كان، ولذلك يفهم أن القتل ليس مقصودا لذاته وإنما لما يترتب عليه من مصالح، ولذلك نرى النبي صلى الله عليه وسلم قال في تلك الغزوة :«من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله وذلك أنه كان لا يؤذي النبي، وكان ينهى عن قتاله، وهذا هو عين العدل والإنصاف. ومنها: أنه يجب على المسلمين عموما وقادتهم خاصة أن يعلموا ما يكون عليه أعداؤهم ويرصدوا خططهم وتحركاتهم، تؤخذ هذه الفائدة من معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بموعد ذهاب عير المشركين إلى الشام وموعد رجوعها. ومنها: ثمرة الاستشارة وعدم الاعتداد بالرأي الفردي مهما بلغ الإنسان من المنزلة فهذا نبي الله يستشير أصحابه ويأخذ برأيهم ويثني عليهم خيرا. ومنها: أن أعظم قوة لاستجلاب النصر هو التوكل على الله مع عدم إهمال الأسباب المادية، فالله يقول (إن تنصروا الله ينصركم) وأعظم نصر الله حسن الظن به سبحانه فقد قال سبحانه: «أنا عند ظن عبدي بي .....» الحديث. ومنها: أن الإسلام دين الفرقان، لا كما يفهمه من قصر فهمه فيطالب باسم الإسلام بترك الناس أحرارا يفعلون ما يشاؤون، حتى طالبوا بإلغاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومنها: أن عز المسلمين برفع راية الجهاد فإذا عطلوا هذه الشعيرة فليبشروا بالخذلان والذل وتسلط الأعداء وسفلة الخلق عليهم. ومنها: وجوب معرفة حق الصحابة رضي الله عنهم إذ فدوا رسول الله بالنفوس وبكل ما يملكون حتى فارقوا الأهل والعشيرة فقاتلوا إخوانهم في النسب من المشركين في تلك الغزوة فانطبق عليهم قول الله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ....) الآية. ومنها: أن سنة التدافع في هذا الكون باقية ليميز الله الخبيث من الطيب، وإلا فالله قادر على أن يكون الناس أمة واحدة على التوحيد وقد فعل سبحانه بالناس قبل نوح عليه السلام. [email protected]