إن المغالاة في الأسعار، أو الاحتكار، أو الغش، كلها مضرة بخلق الله سواء أودت بالأرواح أو أضرت بالإنسان في صحته أو ماله، ولذا فقد أجمع الفقهاء أن احتكار مواد البناء لرفع السعر بشكل مذهل حرام، وأن الاحتكار يتنافى مع القيم الشرعية الجليلة، وأن الحكم بالتحريم ينسحب على كل ما يحتاج إليه الناس في حياتهم، ولا تستقيم معيشتهم إلا به، سواء في الطعام كالأرز والسكر وخلافهما، أم في أدوات البناء كالحديد والأسمنت، أم غيرهما كالبنزين وقطع غيار السيارات الأساسية والأدوية ونحوها سواء أكان ذلك بحبس السلع أم برفع سعرها، يؤيد هذا ما جاء في قوله تعالى بسورة المائدة: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان). وقد روى الإمام البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». كما روى الإمام مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلا خاطئ» - أي عاص آثم -. وفي ما روى الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجزام والإفلاس». أما غلاء الأسعار بغير وجه حق فقد روى الإمام البخاري والحاكم وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليه، كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة». أي بمكان عظيم في النار -. ولذا فإن من فعل شيئا من ذلك نال بالتأكيد نصيبا من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه». أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني. وهذا بالتأكيد ما يفرض على الجهات المختصة أن تقوم بمهام المراقبة والمعاقبة للذين يضرون بالمواطن أو يرزأونه به في أهله أو ماله، فمما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا كان لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل». ولعل مما يستحسن استعادته في هذا الصدد بعض ما تحدث به الفقيه الورع فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد في خطبة يوم الجمعة من شهر رجب بهذا الخصوص قوله: «إن ترك الناس يجرون في بياعاتهم ومعاملاتهم على ما يريدون يؤدي إلى الإضرار بالمصالح العامة وحقوق الآخرين، فترى هذا يزيد في السعر من غير ضابط، وذاك يحتكر بدون رادع والآخر يعبث بالصفات والشروط من غير وازع، فيقع الناس في الشطط والتظالم، فيكثر الغش، والغبن الفاحش والتدليس والربا والضرر والمغالاة في الأسعار، مما يوقع في العداوة والبغضاء وينشر التزوير والفحشاء ويزيد في النزاع والخصومات، ويغرس الحقد والضغينة ويوقع في الحرج والمشقة، وإنه إذا كان الأمر كذلك فإن حماية الناس من التظالم وفساد البضائع ونقصها وضبط أسعارها وتنظيم العقود وشروطها مسؤولية الجميع من التاجر والصانع والمشتري والمستهلك والوسيط والسمسار والدولة وأجهزتها». وقبل نهاية الخطبة أردف فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد: «إن على الدولة حماية الناس والأسواق من الغش والتضليل وحفظ حقوقهم برد السلعة الرديئة والحماية من الاستغلال، ومكافحة الغش وفساد السلع ووضع الجزاءات الرادعة والعقوبات الزاجرة فقوة السلطان تعدل زيغ المنحرف». إنني في الوقت الذي أذكر فيه بما سلف لحماية المستهلك من غش المستغلين في الأسواق التي تشهد هذه الأيام بمناسبة قدوم شهر رمضان هوس شراء السلع الغذائية رغم غلاء الأسعار التي لم يراع البعض من التجار مخافة الله، من الإقدام على الأعمال التي تورث شنيع الذنب، أهمية التساهل ومعاونة الناس في غير ضرر ولا ضرار، وخاصة في هذا الشهر الفضيل الذي تتضاعف فيه الحسنات إلى سبعين ضعفا، وبالقياس لابد أن يكون الجزاء كذلك. ويا أمان الخائفين. فاكس: 6671094 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 158 مسافة ثم الرسالة