لو سألتني عن أهم ثلاثة أسماء كوميدية اليوم في السينما العربية، لقلت لك نفس ما سأقوله، لو لم تسألني، لأنني قررت القول وليس عندي في هذه اللحظات موضوع آخر أريد الكتابة فيه! والثلاثة هم (محمد هنيدي) و(أحمد حلمي) و(ماجد الكدواني)، أما محمد هنيدي فهو من غير وجه وقفا السينما المصرية بدور ثانوي في فيلم تافه اسمه (إسماعيلية رايح جاي)، بعدها فتحت السينما صنبور الوجوه الشابة، ومن غير الصحيح، بل من الظلم، القول بعدم فائدة هذا الأمر، فبحكم متابعتي الدائمة وعشقي لدور السينما يمكن اعتباري شاهدا من أهلها، وشهادتي تقول إن السينما العربية، ورغم روعة فترة الثمانينيات على مستوى الرؤية الفنية والجدارة المهنية في التمثيل والإخراج، إلا أنها كانت الفترة الأشد فقرا بالنسبة للحضور الجماهيري للفيلم العربي خاصة، الاستثناء الوحيد كان عادل إمام، وحتى هذا الاستثناء مر بفترات ذبذبة مخيفة وراعبة، والأكيد أن محمد هنيدي هو أهم الأسماء التي أعادت الجمهور لشاشات دور العرض، فقد جاء بطريقة جديدة تمثلت في العبارات الضاحكة السريعة والمتلاحقة وبنبرة صوت طفولية حادة، لكنها غير مزعجة، ساعده جسده الصغير في تقريب الفيلم السينمائي من الرسوم المتحركة، محييا في داخلنا طفولة متأهبة لاستقبال الطيش الذي يظل بريئا حتى حين لا يكون حسن النية، وكل من جاء بعد هنيدي قلده بشكل أو بآخر، باستثناء أحمد حلمي وماجد الكدواني، فقد فاجأنا أحمد حلمي بكوميديا من نوع خاص، سرعان ما قفزت قفزة هائلة على مستوى النص، لتشكل أفلامه الأخيرة «كدا رضا» و«آسف على الإزعاج»، و «ألف مبروك» حسا غير مسبوق من المرح الداخلي، وهو في الفيلمين الأخيرين تحديدا صار قادرا على حقن الكوميديا بحس فلسفي وتدفقات إنسانية هائلة الأثر، والذين يتابعون كتابات أحمد حلمي الصحفية يتأكد لهم غياب الصدفة عن هذا النهج السينمائي الجديد، ويطمئنون إلى رغبة وقدرة أحمد حلمي على الاستمرار، فيما أصبح خطا فنيا واضحا لهذا النجم الكبير بحق، فإذا كانت أفلام محمد هنيدي تعتمد كليا على قدرة هنيدي على الإضحاك من خلال الاسكتشات الفاقدة للترابط والتصاعد عادة، فإن أفلام أحمد حلمي تعتمد على كوميديا الموقف فعلا في أحداث مترابطة ومتصاعدة بحس فني ممتاز، أما ماجد الكدواني، وهو أقلهما شهرة، وليس له من البطولات المطلقة غير فيلم عادي جدا، فشل جماهيريا، هو «جاي في السريع»، إلا أنه بالفعل يقدم كوميديا جديدة، فإن لم تكن جديدة تماما فهي خاصة جدا، وهو بالنسبة لي أفضل الثلاثة من حيث القدرات الفنية والمهارات التمثيلية، كل شيء فيه يتكلم ويقول شيئا، نظرة واحدة منه أو التفاتة تغنيك عن كلمات كثيرة، وهو حتى الآن بريء من استخدام سمنته في الإضحاك، لكن هذا النوع من الكوميديا الساكنة في كل جزء من ماجد الكدواني لا يشكل جماهيرية كبيرة بسرعة؛ لأنه نوع من الكوميديا يكره الألوان الفاقعة، وإن كنت أظن أنه شيئا فشيئا ومرة بعد مرة سوف يتمكن من صناعة قاعدة جماهيرية عريضة له، أفكر في هؤلاء الثلاثة، ولماذا هم الأقرب إلى نفسي، فأكتشف أن للثلاثة علاقة شديدة الحميمية مع الطفولة، والفرق هو أن محمد هنيدي يتجه إليها، بينما أحمد حلمي يتحرك منها وفيها، أما ماجد الكدواني فهو الطفولة نفسها!