إلى الشرق من محافظة بللسمر بنحو 50 كم وعبر طريق وعرة، يستوقفك المنظر وتأخذك الدهشة؛ حصون مربعة صغيرة ترتفع عن الأرض بأمتار ومبنية بشكل جميل وجذاب، وتصل الدهشة ذروتها إذا علمت أن هذه المباني ليست إلا مقابر لأقوام خلت. تنتشر هذه المقابر على ضفاف وادي عياء، وهي مزينة بالنقوش وحجر المرو، وتتكون من طوابق تتراوح من طابق إلى ثلاثة أو أربعة، وهي معروفة لدى أبناء المنطقة باسم «الرسوس». ويذكر باحثون أن هذه المقابر تعود إلى عصور ما قبل الإسلام وربما قبل العصر الجاهلي بكثير، ويستدلون على ذلك بأن تلك القبور سطحية ومنقوشة ومزينة، وهو الأمر الذي يحرمه الإسلام، إضافة إلى أنها عشوائية الاتجاه أي أنها لا تستقبل القبلة، سواء السطحية منها أو الأرضية. ويعتبر وادي عياء من الأودية الأثرية والتاريخية الشهيرة، ليس في منطقة عسير وبللسمر فحسب، وإنما على مستوى المملكة. وشهد هذا الوادي حضارة عريقة ضربت بجذورها في أعماق التاريخ، يعكسها الفن المعماري الأصيل للحصون والأبنية التي تنتشر فيه. ويبدي معلم التاريخ في بللسمر سعيد محمد آل عثمان أسفه الشديد لتجاهل هذا الموقع التاريخي وسقوطه من حسابات الجهات المعنية. يقول «هذا الوادي العريق بحضارته وتاريخه لم يعط القدر الكافي من الدراسة والبحث من قبل هيئة السياحة والآثار والمهتمين بالتراث، ولعل سبب ذلك يعود إلى أنه لم يحظ بتلك الهالة الإعلامية التي حظيت بها بقية الآثار في المناطق الأخرى»، ويطالب بتمهيد الطريق الموصلة إلى الوادي والبدء بدراسة المقابر وما تحتويه من رفات. ويؤكد آل عثمان أنه وفقا لبعض المصادر التاريخية، فقد سكن هذا الوادي قبيلة الأواس بن حجر المشهورة تاريخيا، وبرز من هذه القبيلة -على حد قول كثير من المؤرخين- الشاعر الجاهلي المعروف الشنفرى، وهو أحد صعاليك جزيرة العرب وصاحب القصيدة المشهورة (لامية العرب). ويشير إلى أن أكثر ما يلفت الانتباه في هذا الوادي كثرة الحصون والقلاع، وتنقسم إلى حصون حربية على سفوح الجبال لمواجهة الأعداء والتصدي لهم، وحصون سكنية للسكن وتخزين الحبوب والأعلاف والأغراض.