نشرت عكاظ أن طفلا في الباحة أقرض أباه 400 ريال. وشرط عليه أن يرده بزيادة. ووافق الأب لحاجته للنقود، ورغم طرافة الخبر إلا أنه يحمل بين طياته قضية مالية معاصرة بالمنظور الفقهي. وهذه المسألة سرعان ما يهيمن التحريم على حيثياتها، لاسيما عند الذين يحسنون (القفز) إلى ساحات التحريم لأدنى سانحة من أقصى شاردة لأوهن دليل، دون التأمل والتدبر مرددين أن هذا قرض مشروط السداد بزيادة فهو حرام قطعاً لأنه ربا. مع أن الأصل في هذه القضايا النظر والتأمل في حقيقة ملكية هذا المال موضع الإقراض. ذلك لأنه إذا وجد نوع من التميع أو الشبهة في التملك أو الشراكة أو فقدان لصفة من صفات المال المعصوم أو فقدان شرط من شروط تمام الملك فإن في كل هذه الحالات لا يصبح للفظ الربا أي معنى في قضية مالية مشابهة، يحكم المحرمون بأنها من تحايل الناس حول الربا، فهي عندهم حرام. مع أن الأصل فيها الإباحة وفق القواعد الفقهية عند الإمام أحمد، وفقهاء الحنابلة، فتحريمها فيه تناقض. والمحرمون لها تتلمذوا وتعصبوا للمذهب الحنبلي. القاعدة الفقهية موضع البحث عند الحنابلة هي أن خيار الشرط في البيوع لا حد له. وعند الجمهور، محدود بثلاثة أيام، بمعنى أنه إذا ابتاع زيد سلعة من عمرو وشرط عليه - وهو خيار الشرط - أنه إن لم تعجبه السلعة فله الخيار عند الجمهور في ردها لصاحبها واسترجاع ماله في مدة أقصاها ثلاثة أيام. وعند الحنابلة تمتد مدة الشرط إلى ثلاثة أشهر أو ثلاث سنين أو أقل أو أكثر. قال ابن قدامة المغني (3/586):( ويجوز اشتراط الخيار ما يتفقان عليه من المدة المعلومة قلت مدته أو كثرت). والبهوتي الكشاف (3/202) والمرداوي الإنصاف( 4/373). بمعنى لو جاء رجل وابتاع مبنى تجارياً حول الحرم المكي بخمسين مليون ريال. ثم استثمره خلال الموسم بأربعة ملايين وبعد الموسم استرجع رأس ماله مضافاً إليه الزيادة وهي أربعة ملايين ريال فهل يكون هذا من الربا بمكان؟ هذا في حقيقته قرض تم تسديده بزيادة. فهل يحرم هذا التعامل؟ وفرض المسألة هنا أننا لا ندخل في متاهات المقاصد والنوايا، وهي العكاكيز التي يستند إليها المحرمون لهذا التعامل. لا سيما إذا نظرنا أيضاً للطرف الآخر من هذا التبايع، فإن البائع قطعاً لم يترك هذه الملايين قابعة في وكرها دون الاستفادة منها والشريعة أصلاً وضعت لمصالح الناس وقضاء حوائجهم فلا يكون- لهذه المسألة باب من أبواب التحريم وتدخل منه أوسع أبواب قاعدة أن الأصل في العقود والمعاملات والعادات والأشياء الإباحة وثمة مسألة أخرى عرضت على ابن تيمية في سجنه وأفتى فيها بحكم لا يروق للمحرمين لأنها عندهم ربا واضح. سئل عن مؤخر صداق المرأة عند وفاة الزوج وقد مضى على عقد النكاح أربعون سنة وكان مؤخر الصداق في ذلك الوقت ألف ليرة، فهل يسدد الورثة هذا الدين ألف ليرة- أم بالقيمة التي آلت إليها الألف ليرة بعد مضي أربعين عاماً، وهو عشرة آلاف ليرة؟. فأفتى بأن يسدد المهر بالقيمة، أي عشرة آلاف ليرة وليس هذا ربا عند ابن تيمية ذكره في الفتاوى (23/217) وعند المحرمين هي حرام لأنه ربا وحيثيات ابن تيمية أنه فرّق بين الزيادة الحقيقية لرأس المال والزيادة بسبب التضخم، وهي زيادة وهمية تضعف القوة الشرائية للعملة. والمحرمون لا يفرقون بين هذا وذاك. وإذا رجعنا إلى الطفل الذي أقرض أباه بشرط الزيادة في السداد فإن هذا لا يكون ربا، لأن مال هذا الطفل في حكم ملكية الأب، أو فيه شبهة للملك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أنت ومالك لأبيك). فيكون الأب إنما أخذ من ماله هو حقيقة وليس من مال ابنه ثم رده بزيادة. فهل إذا أخذ المرء مالاً يملكه واستثمره ثم أرجعه إلى خزينته بزيادة هل يكون هذا ربا؟! لو كان زيد يملك أسهماً في بنك بمليون ريال. ثم اقترض من هذا البنك مبلغاً في حدود المليون واستثمره ثم رده في حسابه بالزيادة المتحققة من الاستثمار، هل يكون هذا من باب الربا في شيء؟ ما هو الفارق بين اقتراضه من ابنه - وفرض المسألة أن له ملكا فيه - واقتراضه من البنك في حدود رأس ماله فيه؟ ليس ثمة فارق، لأن مال ابنه ملك له وحصته في رأس مال البنك ملك له أيضاً فإذا اقترض مبلغاً في حدود ملكيته فيه فكأنما أخذ مالاً من محفظته وأعاده إليها بزيادة. فهل في هذا ربا؟! قال ابن قدامة المغني (5/22): إذا استقرض شيئاً من مال الشركة لزمهما وربحه لهما. وقال الكاساني البدائع (5/192) أن من شروط انعقاد الربا عصمة البدلين وألا يكون البدلان ملكاً لأحد المتبايعين فإن كان ملكاً لأحدهما لا يجري الربا وعليه لا ربا بين العبد وسيده كما جاء عن ابن عباس المحلى (8/514) لقد كان الناس يستأجرون الحلي من الذهب والفضة للزينة في الأفراح. أوليس هذا قرضاً جر نفعاً وهو الزيادة أي الأجرة؟ الأصل في هذا أن يكون ربا. ومع ذلك أجازه الجمهور ومنهم الحنابلة. قال ابن قدامة المغني (5/545): وتجوز إجارة الحلي والدراهم والدنانير للزينة والتحلي. وإذا عرف عن زيد من الناس أنه دوماً يسدد ما يقترضه بزيادة - غير مشروطة - وهو من باب حسن القضاء كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث رافع، فهل تكون هذه الزيادة غير المشروطة من باب الربا؟ الأصل فيها أن يكون ربا، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. ومع ذلك أباحها الجمهور ومنهم الحنابلة، كما قاله ابن قدامة المغني (4/357) وقد عرف عن رسول الله أنه يسدد ما يقترضه بزيادة. وهو قدوتنا، فلا يحسن بل يقبح القول بأن من عرف عنه السداد بزيادة يكون إقراضه ربا. وبيع الذهب المشغول بالذهب الخام بزيادة فيه ربا. ومع ذلك أجازه ابن تيمية والجمهور واعتبروا الزيادة هذه لقاء الصنعة كما جاء في جلاء العين (3/255). ولو اقترض مائة ألف ريال من البنك على أن يردها بالدولار 120 ألف ريال جاز ولم يكن هذا من الربا في شيء لاختلاف الأجناس كما قال ابن تيمية والجمهور في مسألة بيع ربوي بربوي مؤجلاً مع التفاضل. فالشاهد أن عامة صور التعامل هذه لا يدخلها التحريم، غير أن المحرمين لا يقرونها ويحرمونها وأنها من باب التحايل على الربا. وهذه نظرة قاصرة يجب نبذها والتعامل مع القضايا المالية بفقه إدارة الأموال والحرص عليها. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة