استيقظت القرية على وقع خطوات المصلين يتسابقون للفجر في كومة ارتقت عليها بقايا خيمة صلوا، حين تقاطرت أشعة الشمس على قريتهم كان الركب مستعدا للارتحال.. الفتى الجنوبي غادر قريته منطلقا باتجاه المدينة، الجمال (بتشديد الميم) حملهم في رحلة طويلة؛ قطعها الفتى اليافع في التفكير بلحظة أمل صورها له أصدقاء الطفولة الذين غادروا قبله إلى ميدان القوة والإيمان. في رحلته لم ينس حياته.. فكر كيف سيشتري براتبه البسيط هدايا يلتف فيها على نصب والدته الطويل يقدم فيها قطعة قماش ربما تستر حالة فقر امتدت على أطراف الجزيرة. حين وصل إلى المدينة كانت أبواب الجيش مشرعة تستقبل الشباب، تحتضنهم بلغة مختلفة، تعرفهم بفطرتها ويعرفونها بتاريخ تحديهم للمصاعب، انطلقت فلسطين التي سمعوا بها في قريتهم الصغيرة تزف للمسلمين خبر أبطالها الذين رفضوا الانصياع للاحتلال.. وها هنا كان الوطن الجديد واحدا من الأوطان الذي اختار الارتباط بفلسطين خيارا صنعه التاريخ، تجمع الجنود ليركبوا البحر والسماء في رحلة احتضنتهم فيها مصر لتعبر بهم قاطرة التحدي والجهاد مواطن لطالما حكاها أجدادهم، نسى الجنود أهدافهم الصغيرة وتحلقوا يستثيرون في أنفسهم حكايات المسجد الأقصى وتاريخ المسلمين. المعركة كانت حادثة مهمة في حياة هذا البطل بقي طوال تاريخه يحدث بها أبناءه وأحفاده، قصص كانت تغرينا بملحمة ولحظات كنا نتشوق لها بفرح، زرعت فينا خيالات فلسطين وأماني التحرير كما تزرع الأوطان في المهج. رغم مغيب السنين ما زالت فلسطين تعاني تهويدا، ويعلن أهلها تحديا وصمودا أيام فصلتنا عن إعلان ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح وغيرهما من المواقع الإسلامية إلى تراث الصهاينة.. اقتحامات واعتقالات وما زال المسجد يعيش حالة ألم. تعودت كثيرا على أخبار الانتهاكات ضد ترابنا الفلسطيني، هذه المرة استوقفتني الأخبار، أفزعتني ولا أدري لماذا تساءلت وهكذا خرجت من ذاكرتي الصغيرة حكايات أبي الذي سافر فتى ليحارب على تراب فلسطين.. مات -رحمه الله- لكنه خلف في قلوبنا قصصا لا تنسى ورغبة في المناصرة لا تقصى ولو تعالت أصوات المتعبين والراغبين في الاستسلام. أدركت الآن أن ذلك الفتى الجنوبي زرع في دمي قصته الأولى وأن حكاية أجداده انتشرت في أطراف العالم الإسلامي؛ يزرعها جيل ويحصدها آخر في متوالية مقدسية لن تتوقف حتى يعود المسلمون ليصلوا على تراب وطنهم الفلسطيني وعلى بوابة أقصاهم ينشدون. عودة الفاتحين فلسطين تاريخنا وتاريخ أجيال مسلمة على اختلاف ألوانها وأعراقها ووحدة هدفها، ضحت وما زالت في ارتباط تاريخي لا ينفك حتى التحرير؛ ولأن مضى أباؤنا وأجدادنا ولم يتمكنوا من التحرير، فأنا وأنت وأبنائي وأبناؤك قوافل تستجلب النصر بإذن الله.