تقلب الريح سعف نخيل مرافئ جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وكأنها تسرح شعر عروس ثول. الريح تشتد وقوارب الجامعة تنقل العلماء والزوار إلى السفينة اليونانية أوشنيوس. يوم مشمس البحر جميل كما يصفه العلماء الأوروبيون. تشق القوارب الصغيرة الحديثة صفحة الماء البراقة مثل مقص يقسم قطع حرير زرقاء لامعة إلى نصفين، يصعد المقبلون من المرافئ على ظهر السفينة وتبدأ رحلة أخرى في عوالم المركب. تجلس في هدوء غواصة صغيرة تشبه مركبات الفضاء لا تتسع إلا لراكبين فقط، اكتست باللون الأصفر الفاقع لطرد أسماك القرش عنها عندما تهبط إلى الأعماق. يتجول العلماء في المركب الكبير. بينما المسؤول عن الغواصة يتفقدها مرحبا بالزوار دون أن يوقف عمله. يتحسس العالم جسد الغواصة بلطف ويمتدح قدرتها على الغوص إلى 600 متر في أعماق البحار والمحيطات وفخره بأنها أسهمت في الوصول إلى اكتشافات علمية مهمة. تتقسم السفينة من الداخل إلى ممرات ضيقة وغرف محشوة بالأوراق والأجهزة المعقدة ومعامل التحليل وفرز النتائج، العلماء ومساعدوهم يعدون العدة، يوزعون المهمات فيما بينهم جميعهم مشغول لا يكثرون الحديث. ينتبه عالم يوناني للزائرين ويتحدث قليلا عن سعادته بالرحلة التي يصفها بأنها الأكبر في تاريخ البحر الأحمر، مؤكدا أن الرحلات العلمية الاستكشافية السابقة لم تصل إلى حجم وأهمية الرحلة الحالية. في أعلى المركب يجلس القبطان ومساعدوه وطاقم قيادة السفينة يلتقط الحديث والزوار القبطان المساعد جورج كريدانيوس ليتحدث عن مركبه الذي يعشقه: «صنعت هذه السفينة في اليونان عام 1985، وجابت مناطق مهمة في العالم أبرزها البحر الأسود، رومانيا، بلغاريا، أسبانيا، قبرص، وفرنسا». يفخر جورج بأن السفينة التي يقودها تهتم بالأبحاث: «استطعنا أن نتوصل إلى كنز أثري يحوي قطعا فخارية لسفينة غرقت قبل الفين و500 عام، وانتشلنا حطام طائرة روسية من نوع ميراج». يصافح جورج زواره بابتسامة لا تغرق في البحر، ويشرح لهم كل قطعة في المركب حتى تلك التي تزين جدران السفينة. الحديث مع العلماء مشوق عن تفاصيل البحر والبحيرات المالحة في الأعماق السحيقة في البحر الأحمر، الذي يسمونه المحيط الصغير أو كما هو دارج بينهم (بييني أوشن)، ويخبرون الزوار بأنه يتوسع بمقدار سنتميتر واحد سنويا. تقترب الرحلة من نهايتها بينما يستعد العلماء والبحارة للرحيل، تعلوهم 48 علما ترفرف، تبدأ بالراية السعودية وتنتهي بالعلم اليوناني، وكأنها تقول للعالم اجتمعنا من أجل خير البشرية.