كان الموسم، موسم مراسلة، واستكشاف أيضا. موسم خصب لكل باحثي هذا المجتمع، ولعل كتاب الأستاذ «عبدالعزيز الخضر» الصادر حديثا، عن المجتمع السعودي، يفوته إدراج هذه المناسبة السعيدة، غير السعيدة أيضا. اكتشفنا أي حجم للود الذي يكنه أفراد الشبكة الاتصالية لبعضهم، لولا كلفة الرسائل، وضيق ذات اليد. واكتشفنا أي خفة دم نتمتع بها، وأي ظرف نعيش. واكتشفنا في ثنايا النكتة المجتمعية المتداولة، أي المصبات التي تهبط فيها، وأي سواق منها تتعبأ. ولئن كانت النكتة حاضرة في كل شيء، حتى في التهكم أحيانا، والمساس بالقيم حد بالقيم، فإن الفكر كما بان لي، لم يكن واضحا كثيرا، في ثنايا الطوفان النكتي الذي حل بقاعات شاشاتنا المحمولة ضحكا أينما كنا. ولهذا دلالاته التي لا تخفى. وصدقا، ومن منظور شخصي، قد يكون لفرط الشؤم دور فيه، لم تعد النكتة تمتلك حيويتها الضاحكة بالمعنى الذي كانت تعنيه اكتشاف كلمة نكتة ، فقدت النكتة محتواها البسيط اللاذع، وهبطت لمستوى الحكائية، وتاهت في دروب التشخيصية العنصرية البغيضة أحيانا. إلى درك خطر، هوت النكتة المجتمعية. الطرفة ما عادت طرفة، إلا وفي ثناياها انتقاص. مالت النكتة، أو شارفت الوقوع، ناحية الفجاجة، بل العهر. ثمة ابتذال لا يحتمل. ولأننا ندرك أن خيطا رفيعا يفصل الضحك عن البكاء. فإن آخر أشد رفاعة منه، يفصل الضحك عن التجريح، الترفيه الحميم عن اللمز المذموم. كما هو تماما ماثل في وشائج جد دقيقة، تفارق بين البرامج الكوميدية المهذبة، وبين مسلسلات الردح العنصرية الطائشة، لا تترك عرقا، ولا قوما. ولأنه لا يمكن أن تفصل النكتة عن بيئتها الاجتماعية، ولا سياقها العام، من حيث الفضاء الإنساني المقيمة فيه فإن هذا الانحدار الذي تعيشه النكتة حاليا، يشي بكون المجتمع، ينحدر كذلك، لأزمات لا يعبر عنها إلا لمزا وغمزا وهمزا. أي: لا يقدر على مصارحة نفسه بما فيه، فيلجأ للنكتة. بطل النكتة، بات شخصا مهووسا بالجنس، بتفاصيله البذيئة. فقد جماله الداخلي، وحس الكوميديا الضاحكة لديه. بات العثور على نكات مضحكة، لا علاقة لها بالبذاءة، صعبا. تحول الأمر إلى تلاعب بالكلمات والمعاني، بالرموز والقيم، لتسوية سعار يندفن تحت غطاء مجتمعي ضحل، وبسيط. البنية الحكائية للنكتة، فرغت من محتواها اللطيف، لتملأ بالجنس. لتكتشف أن مساحة ضخمة من مكرور النكتة الشعبية، التي تدوولت في الأيام «المجانية» الماضية، كانت جنسا محموما، متهكما، مبتذلا، ساقطا، حتى في حكائيته. والأمر ليس بمقتصر على هواتف الفتيان، وشاشات الفتيات، قدر ما هو في هواتف الكبار، والمسنين، وفي غالب المحيط المجتمعي، أيا كانت أعماره، أو مقاره. لنقل نكتة، واثنتين ومليونا. لنلطف عناء العادي اليومي المكرور الممل. لنخترع تعليقا لاذعا، لنطلق مقولة بارعة المعنى، لنخلق مناخا من المريح المرن اللدن المفاجئ المدهش. لكن، ماذا إن تكن النكتة رديفا للفحش. مكرورا للعهر. مقرونة بالبذيء. هنا يحتاج المجتمع لا إلى شرط دينية، تقوم على أسواقه وملاهيه واستراحاته وحسب، وإنما يمعن احتياجا لأطباء النفس الجنسانيين، ولمجاهر التحليل، ولدراسات العاملين في علوم النفس، ولصحوة عارمة، تجاه تراكم جنسي، واتخام هوسي بكل ما يمت للشبق المسعور بصلة. ثمة ولا أكاد أكون بعيدا مرحلة مأزومة من نفسانية مجتمعية، يكاد الجنس يحاصرها من كل مكان. وإلا فحتى اللغز، ذلك الذي كان يغرق في التخوم العقلانية، ما باله تحيله «نكت» هواتفنا، حقيبة من كلمات لا تغادر تخوم الجسد. علينا أن لا نؤجل هذا الموسم إلى ما بعده. القضية ليست بمنتهية حين أقول، إن هذه هي بيئتي، وأن هذا هو نتاجها. أن تكون لديك 100 نكتة متخمة جنسا، يعني أنك تقطن ضمن بيئة معبأة بهذا المخزون. أقصد من ذا الذي جعل البيئة التي أقطنها بهذه الصورة/ الإطار. أي بيئة هي التي تحيل أحاديثنا، لمحور واحد وحيد: الجنس. علي أن أقف هنا، أمامي كثير من رسائل لم تقرأ بعد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة