يعتبر الزلزال الذي ضرب عاصمة هايتي يوم الثلاثاء قبل الماضي من أسوأ الكوارث التي مرت بالبشرية أخيرا. قد يصل عدد القتلى إلى مائتي ألف قتيل حسب تقديرات وزارة الداخلية الهايتية. الجثث ملقاة في كل مكان، مما اضطر الحكومة إلى إلقائها بالجرافات والحاويات في قبور جماعية. الوقت والإمكانيات لا تكفي لمحاولة التعرف عليها. الزلزال أودى بحياة عدد من الشخصيات البارزة الهايتية منهم وزير العدل ورئيس المعارضة وكذلك بشخصيات خارجية منها كبار موظفي الأممالمتحدة في هايتي التي فقدت المئات من أفرادها. الكثيرون لا يزالون محتجزين تحت الأنقاض. الجرحى يموتون بسبب غياب الإسعاف اللازم لإنقاذهم. هناك الكثير الكثير الذي يجب عمله للناجين المتأثرين بالزلزال والذين يصل عددهم إلى حوالى ثلاثة ملايين منهم 250,000 جريح ومليون مشرد. الجميع يبحث عما يسد رمقه وعطشه وعن مأوى يقيه من الأمطار التي قد تنهمر في أي وقت. الأمهات يبحثن عن أطفالهن والأطفال يبحثون عن أي صدر حنون يلجؤون إليه. الجميع فقد أفرادا من عائلته ، ويبحث عمن تبقى منهم. أغلب المباني في العاصمة بورت أو برنس تعرضت للدمار بما في ذلك القصر الرئاسي والعديد من الوزارات والمستشفيات والفنادق والمراكز التجارية والمصانع. الناس مرعوبون من العودة إلى بيوتهم التي إن لم تكن قد تهدمت في الزلزال الرئيسي فمن المحتمل أن تسقط بسبب توابعه المتكررة التي استمرت لعدة أيام. المنظر العام قطعة من الجحيم والعذاب. الأيام التالية للزلزال وتوابعه أيام عصيبة. المساعدات لا تأتي بسهولة عبر المطار ذي المدرج الوحيد أو الميناء الذي أتلفه الزلزال. زلزال هاييتي يبين مدى ضعف الإنسان، مهما بلغ تقدمه، أمام الكوارث الطبيعية. كيف يمكن تعويض شخص عن أهله ومسكنه وممتلكاته؟ كيف يمكن تطمين أناس انهارت مساكنهم على رؤوسهم وتحولت مدينتهم إلى أنقاض؟ ليس هناك وقت للحزن أو التفكير حينما يكون بقاء الشخص نفسه مشكوكا فيه. البقاء يصبح الهم الأكبر للجميع. هاييتي، ذات التسعة ملايين من السكان وأفقر بلد في الجزء الغربي من الكرة الأرضية أخذت نصيبها وافرا من الكوارث الضخمة. عدة زلازل مدمرة اكتنفت جزيرة هسبانيولا حيث تقع هايتي في السنوات 1751م، 1770م، 1842م ،و 1946م. أربعة أعاصير مرت بها خلال السنوات الأخيرة منها إعصارا فاي وغوستاف سنة 2008م. حتى الزلزال الأخير كان متوقعا، وقد حذر علماء في مقال نشر في السنة الماضية من اقتراب وقوعه في منطقة العاصمة بور أو برينس بل قدروا قوته ( 7 درجات) بدقة مدهشة. مع ذلك لم يكن هناك ما يمكن لسكان العاصمة المساكين عمله لتفادي أضرار الزلزال خاصة أن وقت حدوثه لم يكن محددا ولم تكن هناك بوادر لحدوثه في اليوم الذي جاء فيه. الزلزال داهم المدينة بأسرع مما كان يتخيل أحد. ليس من السهل على سكان مدينة كبيرة أن يتركوا مدينتهم ويرحلوا. وهاهم الآن يجلسون في العراء يحاولون البقاء أحياء وينتظرون ما تخبئه لهم الأقدار. المناظر الحزينة التي تهز الوجدان أكثر من أن تحصى. التواصل بين المتشبثين بالحياة من تحت الأنقاض ومن يحاولون إنقاذهم بشتى الوسائل البدائية قبل وصول المعدات يحبس الأنفاس. فرحة الناجين بعد انتظار يائس لعشرات الساعات تنعش الآمال. الجوانب المشرقة تمثلت في ردة الفعل العالمية القوية والسريعة. جمهورية الدومينيكان، جارة هايتي نسيت العداوات التقليدية بين البلدين وفتحت حدودها على مصراعيها للمساعدة. العديد من دول أمريكا اللاتينية المجاورة شاركت بسرعة. وكذلك فعلت كثير من دول العالم أجمع التي بادرت بإرسال فرق للإغاثة أو تبرعت بمبالغ كبيرة. عشرات المنظمات وعلى رأسها الأممالمتحدة المتواجدة هناك بدأت عملها بأقصى سرعة ممكنة. بعض الدول بدأت في استقبال أيتام الزلزال. الرئيس الأمريكي أوباما يتفاعل بسرعة مع الأزمة مرسلا الجنود والسفن الضخمة والطائرات لبدء واحدة من أكبر عمليات الإنقاذ في التاريخ الحديث ويشكل لجنة برئاسة الرئيسين السابقين كلينتون وبوش لقيادة حملة التبرع والتأكد من وصول الأموال إلى حيث توجد أمس الحاجة إليها. كبار الفنانين والرياضيين يشاركون في الحملات. من السهل التبرع من أي مكان في العالم بواسطة الشبكة العنكبوتية لأكثر من ستين منظمة خيرية تساهم في إنقاذ هايتي. التغطية الإعلامية تجعل الحدث قريبا من العالم وتساعد على الاهتداء إلى المفقودين. مع ذلك الصعوبات الضخمة تقاوم كل محاولات التغلب عليها. إيصال المعونات ليس سهلا. يجب أولا إصلاح الطرق المهدمة والميناء المدمر. الأولويات كثيرة متزاحمة أهمها إنقاذ المحتجزين تحت الأنقاض وتوزيع الماء والغذاء والوقود وحفظ الأمن وتوفير المأوى. الأوبئة الصحية تطل برأسها في غياب ماء الشرب النظيف والمسكن الصحي. هناك الكثير مما لا يزال العالم يحتاج إلى تعلمه للتعامل مع الكوارث. سوف يكون أمام هاييتي أسابيع بل أشهر عصيبة حتى تجتاز محنتها. وهي محتاجة إلى الكثير من العون للوقوف مرة أخرى على قدميها. الوقوف بجانب المنكوبين في الكوارث العالمية الضخمة بغض النظر عن عوامل السياسة أو العرق أو الدين أو اللون هو دائما خير ما يظهر الإنسانية في أجمل وأنبل صورها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة