حول الأديب البيروفي الشهير فارجاس يوسا أخيرا، كتاب ألف ليلة وليلة، إلى نص مسرحي ضخم يشارك في أدائه مئات الممثلين، ويتنقل من بلد إلى بلد، ليؤدي في عشرات المسارح، وذلك انبهارا بذلك العمل السردي الكبير الذي بقي صامدا على مر العصور، ومصدرا للإلهام للعديد من كتاب السرد ليس في الوطن العربي فقط، ولكن في كل العالم تقريبا. الحقيقة إن ألف ليلة وليلة، في رأيي الشخصي ورأيي الكثيرين من كتاب الرواية السحرية، بمن فيهم الروائي الكولومبي الأشهر جابرييل ماركيز، تعد كنزا للحكايات التي يمكن استلهامها في أي وقت، ومرجعا خصبا لتقوية الخيال، وتلك الحكاية التي تقود إلى حكاية، ليس من السهل تناسيها أو عدم التفاعل معها، وبرغم كل الحذوفات والتقطيعات التي طالت ذلك الكتاب العظيم في طبعاته الحديثة، إلا أن معظم حكاياته ما تزال براقة وجاذبة، ويمكن العمل عليها من جديد كما فعل يوسا، وإنتاج نصوص تواكب تطور الكتابة السردية اليوم. وقد استوحى بالفعل عدد من الكتاب تلك الحكايات، أو بالأحرى كتبوا نصوصا موازية لها، سوى من ناحية العجائبية الساحرة أو من ناحية استلهام الزمن المحكي، وأعتبر نصي مهر الصياح، مستلهما في زمنه من زمن ألف ليلة وليلة، هنا أيضا ثمة حكاية ماضية، تفتح حوارا مع حكاية مقبلة وشخصية سابقة، تزحف لتصبح شخصية لاحقة. لقد قرأت ألف ليلة وليلة مبكرا وقرأتها متأخرا وما زالت تمثل ذلك المنبع الذي لا ينضب. نحن نمتلك كنز ألف ليلة وليلة، بجانب عدد كبير من الكنوز الأدبية التي لا نعيرها التفاتا كبيرا، ولا نعترف بتأثيرها في آدابنا وفنوننا الحديثة، بينما الشعوب الأخرى التي قرأتها مترجمة إلى لغاتها، أبدت دهشتها، واستغرابها وانبهارها، ولا يخجل كتاب كبار من أمثال يوسا وغيره، من الاعتراف بتأثيرها في أدبهم، ولو قسنا ما أنتجته حضارتنا ولغتنا لشعرنا بالفخر أننا ننتمي لتلك اللغة. الإسبان ما زالوا يحتفون حتى اليوم برواية سرفانتس الشهيرة، دون كيشوت، عشرات الدراسات تكتب عنها سنويا، عشرات الملتقيات والاحتفالات، والرسائل الأكاديمية ومجهودات كبيرة لتوريث قراءتها وتذوقها لكل الأجيال القادمة. نحتاج إلى وقفة كبيرة لتأمل حضارتنا العربية وإلى مجهود أكبر لنقلها للآخر بدل أن ننقل حضارته إلينا.