التاريخ في السياسة كما تعلمناه يعيد نفسه دائما بصورة أو بأخرى، وتحديدا في المتغيرات على الساحات الإقليمية والدولية وما يتبعها من توازنات القوى. من هنا، فإن النتيجة الحتمية أن «ساسة» دول مجلس التعاون الخليجي سيظلون يعيدون حساباتهم مرة تلو الأخرى، فتتغير أولوياتهم الأمنية والدفاعية والخارجية والاقتصادية ... إلخ! في قمة الكويت تحديات على أرض الأولويات الأمنية وما يتبعها من «دفاعية» و «خارجية» لا تخفى على المراقبين، وفي مقدمها الملف الإيراني باعتباره الأكثر تعقيدا فهو لا يتوقف عن تهديد البرنامج النووي، بل يتعداه إلى تورط متستر في اعتداءات الحوثيين على أراضي دولة من أهم الأعضاء. ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن دول الأعضاء في المجلس استبقت موقف المجلس وأعلنت تأييد الإجراءات السعودية ووقوفها التام مع المملكة لمواجهة المتسللين المعتدين على أراضيها. ومع ذلك، تعودنا أنه حتى في الجو الخليجي «المشحون» أن يطغى الهدوء وأولوية بناء المستقبل المتماسك على ردود الفعل السريعة! وفي الشأن الاقتصادي وتحديدا وبعد الإصرار الإماراتي الرسمي من الاتحاد النقدي، ينبغي الاعتراف أنه وعلى رغم وجود مشكلات صعبة تعج بها العملة الموحدة، لكن واقع الحال أن المشكلات من طبائع الأمور داخل أي تكتل اجتماعي سياسي اقتصادي تتجه أهدافه إلى الانتقال من تعاون وثيق إلى وحدة متماسكة بين دول عدة وصولا للاندماج الكامل. الأكيد أن العملة الخليجية ستصبح اليوم استحقاقا حتميا بعد أن وقعت أربع دول على اتفاقية الاتحاد النقدي، لتحصل العملة الخليجية الموحدة على جواز سفر ومرور من بوابة «السياسات المالية والنقدية». لكن مهلا، فمشروع الربط الكهربائي الذي سيطلق القادة المرحلة الأولى منه بعد مرور أكثر من عشرة أعوام عليه، يعطي مؤشرات قوية على أن هذه المنطقة مثلما هي غنية بالنفط والمال، فلديها ثروة بشرية يتنبأ لها بمستقبل واعد، بعد أن أسس رجال الخليج الكبار بناء صلبا لوحدتهم المشتركة. وإذا كنت ممن تتملكهم شكوك قوية حول قدرة مجلس التعاون الخليجي في الاستمرار، فالخبراء والمراقبون ينصحونك بالتمهل قليلا قبل إطلاق أحكام سريعة، نحو الكيان العربي والتجربة التكاملية العربية الوحيدة التي كتب لها البقاء والاستمرار، وتجاوز كل المعوقات والأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، ففيما فعلت سريعا إحدى أهم الاتفاقات الاستراتيجية بين الدول الأعضاء متمثلة في توحيد المواقف السياسية تجاه القضايا الخليجية والعربية والإسلامية والدولية العادلة، وكذلك الاتفاق الأمني الشامل، وفي الشأن الاقتصادي خصوصا كان الوضع كثيرا من البطء وكثيرا من اللهث والركض! في مناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي لمجلس التعاون الخليجي، تطلب كتابة نحو 20 ألف كلمة لإصدار تقرير عن مسيرة المجلس خلال فترة الربع قرن الماضية. وهذه الكلمات ربما تستهلك مساحة عشر صفحات كاملة لأي جريدة يومية. ووجد من صاغ التقرير أن إصداره بصورة مختصرة يفرض الحديث عن المنجزات وخطوات تحقيقها فقط منذ إنشاء المجلس في 25 أيار (مايو) 1981. وفي مطالعة سريعة في ذلك التقرير، يتكشف تأكيدات عدة على الانتهاء من إنجاز النظم والتطبيقات القانونية لتحقيق الأهداف الكبرى للمجلس. كما يتكشف حجم الاتفاقات خصوصا في المسار الاقتصادي وتحرير جميع الأسواق الاستراتيجية للدول الست الأعضاء، إذ باتت سوق العمل في الإمارات والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت مفتوحة أمام مواطني بلدانها، وكذلك أسواق المال والعقار والاستثمارات وغيرها من الأسواق.