يشهد مسجد البيعة على مرحلة مفصلية في التاريخ الإسلامي، ففي صدر الإسلام الأول تمت فيه ترسية قواعد الدولة الإسلامية، حيث كانت أول مبايعة للصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على النصرة والسمع والطاعة، وبدأت من تلك اللحظة رسالة الخير والتسامح وحب الخير للبشرية جمعاء. في هذا الموضع من منى، سنة 12 من النبوة، بيعة العقبة الأولى، حيث بايع النبي صلي الله عليه وسلم 12 شخصا من أعيان قبيلتي الأوس والخزرج من المدينة، كما أن بيعة العقبة الثانية كانت أيضا في هذا الموقع، وذلك أثناء موسم حج 13 من النبوة وحضر هذه البيعة 73 رجلا وامرأتان من أهل المدينة، وعرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الكبرى. وبنى أبو جعفر المنصور سنة 144ه هذا المسجد في موضع البيعة؛ وهو مكون من فناء مكشوف يتقدمه مظلة، وهو على بعد 300 متر من جمرة العقبة على يمين الجسر النازل من منى إلى مكةالمكرمة، وذلك تخليدا لذكرى هذه البيعة التي نتج عنها هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى المدينة، وتأسيس الدولة الإسلامية، وانتشار الإسلام في أرجاء المعمورة. ومن أهم ما ينبغي التركيز عليه في هذا السياق؛ التشديد على دور المسجد وأهميته في نشر رسالة الإسلام الوسطي المعتدل الذي تمت به الفتوحات وانتشر نور الإسلام في أصقاع الأرض المتناثرة، كما أن المسجد يمثل في الدين الإسلامي صرحا علميا ومعسكرا لإعداد الجيوش وملتقى اجتماعيا ورافدا حيويا مهما في الحياة الخاصة والعامة، مع الاهتمام بتمكين أهل العلم الراسخ والبصيرة الثاقبة من نشر الخطاب المعتدل وصد أهل الأهواء وأنصاف المتعلمين وحدثاء الأسنان من استغلال هذا المنبر المهم حتى تسير القافلة كما هو مرسوم لها بتوازن دقيق.