من مكتبه في الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء الكائن على امتداد طريق الملك فهد في مدينة الرياض، خص فضيلة الشيخ الدكتور فهد بن سعد الماجد الأمين العام لهيئة كبار العلماء وهي أعلى هيئة دينية في المملكة «عكاظ» بحوار صحافي، وصف فيه جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي افتتحت أخيرا في ثول ب «منارة العلم والخير للعالم بأسره». وأكد الماجد أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واصل السير قدما ليحقق في مدة وجيزة نقلات نوعية تمثلت في مضاعفة أعداد الجامعات وإيجاد التنافس البناء بين جامعات الوطن بما يتيح للمناخ العلمي أن يزدهر ليأتي في الأخير وليس في الآخر افتتاح جامعة الملك عبد الله العملاقة. ولفت الشيخ الماجد إلى أنه من أجل الرحمات نشر العلم بين البشرية وتقديم الإسلام في صورته الحقيقية كدين علم ومعرفة ذلك أن العلم من الدين كما جاء في حضارة الإسلام، مشددا على أن المرأة شق الرجل ولها حضورها المميز في عصر صدر الإسلام. وخلص إلى أن المملكة تحقق ذلك من خلال مدخلات التعليم ومخرجاته كدليل على ذلك وأنها ستبقى قدوة مثلى للعالم بأسره وللعالم الإسلامي خاصة في قيام المرأة بوظيفتها الاجتماعية والعلمية في جو آمن ومحافظ. وفيما يلي نص الحوار: ¶ كيف تنظرون إلى الجهود التي يقودها ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين في إصلاح أحوال الأمة الإسلامية ورفعة شأنها وتقدمها الحضاري والعلمي لاستعادة قوتها ومكانتها وأمجادها؟ - إن المملكة تمثل القلب للعالم الإسلامي، ومهما يكن من شأن في أي مكان في العالم الإسلامي فالمملكة مهمومة به ملتفتة إليه وهذا ما يلاحظه المتابع منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله - وإلى وقتنا الحاضر عهد الملك عبد الله - حفظه الله- سياسة ثابتة ورؤية راسخة. ولا شك أن العالم الإسلامي في أغلبه يعاني من قصور واضح في جوانب حضارية مهمة وهي التعليم والصحة ورفاه الإنسان وأيضا يعاني من تشتت الرأي واختلاف التوجهات. ويمكن للمتابع في برهة من الزمن أن يلاحظ جهود خادم الحرمين الشريفين في محاولاته الدائبة والمستمرة في إصلاح هذه العلل، فهو صاحب المبادرات المختلفة في إصلاح أحوال المسلمين ما كان منها على المستوى السياسي أو الفكري والثقافي أو الاجتماعي والشعبي. ¶ كانت ولازالت للملك عبد الله بن عبد العزيز مجهوداته الإصلاحية المتمثلة في تطوير التعليم وإصلاح القضاء ونشر الجامعات وحرصه على تطوير البحث العلمي لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين، كيف ترون فضيلتكم مستقبل هذه الجهود وانعكاساتها الإيجابية في خدمة أبناء الوطن والأمة؟ - تطوير التعليم ونشر الجامعات وإصلاح القضاء يعتبر نقلة نوعية في عهد خادم الحرمين الشريفين لهذين المرفقين الهامين في حياة المجتمعات والشعوب. ودعني أذكر ما قاله أحد الدارسين لحياة الأمم والشعوب، إذ يقرر مقالة لا أظن أحداً يخالف فيها، يقول: لا يمكن أن تجد بلدا مزدهرا اقتصاديا بلا تعليم جيد متفوق، وأيضا لا يمكن أن تجد بلدا مزدهرا أخلاقيا بلا قضاء نزيه وسريع في إيصال الحقوق. ولذلك فمفتاح إصلاح أحوالنا هو التعليم، ومفتاح الإصلاح فيما بيننا عند وقوع أي مشكلة هو القضاء. ولقد تعاقبت الدراسات التي تفيد أن ما يصل إلى 40 في المائة من الوظائف في أوروبا وأمريكا تتصل على نحو ما بالمعرفة والبحث وهذا يبين أهمية التعليم النوعي وليس أي تعليم لتوفير الفكر الجيد لشبابنا والعيش الكريم لهم، وهذا يذكرني بمقالة لعمر بن الخطاب ذلك الملهم الراشد رضي الله عنه حين ذكر له إتلاف شباب قريش أموالهم فقال: حرفة أحدهم أشد علي من عيلته، يعني فقدانه للحرفة أكثر خطرا من فقدانه المال وهو بذلك يقدر عاليا المهارة والمعرفة وضرورتها للشاب. ¶ كيف يمكن للمملكة وهي الحاضنة للحرمين الشريفين أن تكون بلد إشعاع حضاري وعلمي ومنارة للعلم الحديث والمعرفة في ظل حرص قيادتها على الحفاظ على الثوابت الراسخة والقيم الإسلامية التي قامت عليها منذ تأسيسها قبل 79 عاما؟ - ما تذكره من سعي المملكة لأن تكون بلد إشعاع حضاري وعلمي للعالم هو في الحقيقة جزء من رسالتها منذ الملك المؤسس رحمه الله وإلى الآن. وعلى ذلك واصل السير الملك عبد الله بن عبد العزيز وحقق في مدة وجيزة نقلات نوعية تتمثل في مضاعفة أعداد الجامعات وإيجاد التنافس البناء بين جامعات الوطن بما يتيح للمناخ العلمي أن يزدهر، ثم في الأخير وليس الآخر افتتاح هذه الجامعة العملاقة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية والتي ستكون بإذن الله منارة علم وخير للعالم بأسره اقتداء بقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). ومن أجل الرحمات نشر العلم بين البشرية، وتقديم الإسلام في صورته الحقيقية صورة دين العلم والمعرفة ولئن وجدت ثنائية الدين والعلم في الحضارات الأخرى ففي حضارة الإسلام العلم من الدين ولذلك اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- أن كل علم نافع فهو علم شرعي باعتبار أنه مشروع علمه، والشاطبي-رحمه الله - يقول: كل تصرف للعبد تحت قانون الشرع فهو عبادة. وبنظر مقاصدي متين يقرر العز ابن عبد السلام أن: «معظم مقاصد القرآن الأمر باكتساب المصالح وأسبابها والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها» وحتى يتبين لك ضرورة أن تكون المملكة بلد إشعاع حضاري للعالم بأسره فلا بد أن تستحضر هذه الأمور: أولا: أن المملكة بلد رسالة لا سيما وهي قبلة المسلمين. وابن تيمية رحمه الله يقول: كل علم لا بد له من هداية وكل عمل لا بد له من قوة. وثانيا: لا بد أن تقرأ العلم بتاريخه البعيد وإلى الآن فالعلم، كما يقول المنفلوطي - رحمه الله - «سلسلة طويلة طرفاها في يدي آدم أبي البشر وإسرافيل صاحب الصور، ومسائله حلقات يصنع كل نابغة من النوابغ في كل عصر من العصور واحدة منهما»، وإن الحضارة الإسلامية كان لها دورها وأثرها فيما مضى ولعل هذا الدور يعود مرة أخرى منطلقا من مهد حضارة الإسلام. وثالثا: إن مشاركة المسلمين في دفق الحضارة المعاصرة ضرورة ملحة ليس لمصلحتهم وحدهم فحسب بل لمصلحة البشرية عموما وذلك لما لدى المسلمين من رصيد فكري نابع من الوحي المعصوم يساهم عند مشاركتهم في العلوم الحديثة بتوجيه العلم الحديث لخدمة البشرية. ولقد أحس بذلك العلماء في العصر الحديث حين أحسوا بأن فقدان العالم المتخصص للتوجيه الفكري السليم قد ينتج عنه بمكتشفاته ومخترعاته ما هو مضر بالبشرية، كما أشار إلى ذلك العالم السويسري رشارد أرنست الذي فاز بجائزة نوبل للكيمياء في عام 1991م، حينما قال: يجب أن يعطي العلماء أدوات تفكير لتساعدهم على رؤية الصورة الكبيرة للأشياء كي يفهموا الطريقة التي يغير فيها العلم العالم، وخصوصا عندما يتعاملون مع أشياء جذرية، مثل الذرة وقواها ثم قال: يجب أن يدرك العلماء أهمية التغيير الذي يساهمون فيه كي يدفعوه بالاتجاه الذي يفيد الإنسانية ويساهم في حل معضلاتها ومعاناتها. ¶ إلى أي مدى يمكن للمرأة في بلادنا أن تضطلع بدورها العلمي والمعرفي مع المحافظة على كيانها كمرتكز أساس في بناء الأجيال؟ - المرأة شق الرجل وشقيقته ولها حضورها المميز في عصر صدر الإسلام وبلادنا تحقق ذلك ولا أدل على ذلك من مدخلات التعليم ومخرجاته ولقد كانت المملكة ولا زالت وستبقى بإذن الله قدوة مثلى للعالم بأسره وللعالم الإسلامي خاصة في قيام المرأة بوظيفتها الاجتماعية والعلمية في جو آمن ومحافظ. ¶ كيف يرى فضيلتكم ما يحظى به العلماء في هذه البلاد من تقدير القيادة وتكريمها لهم وإنزالهم مكانتهم؟ - التاريخ والواقع يدلان ويثبتان ما للعلماء من مكانة متميزة لدى ولي الأمر منذ عهد الملك المؤسس وإلى عهد خادم الحرمين الشريفين وهذا ما يلمسه كل مواطن في هذه البلاد حرسها الله. ولا أدل على ذلك من طبيعة وظيفة هيئة كبار العلماء فقد نص نظامها الذي صدر بمرسوم ملكي عام 1391ه أن الهيئة تتولى إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر من أجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية إلى آخر ما جاء فيه. وخادم الحرمين الشريفين على تواصل دائم بالعلماء سواء من خلال مجالسه المفتوحة أو من خلال زياراته المتكررة لهم أو من خلال دعمه ومساندته لهم ومن أواخر ما تم من ذلك افتتاحه في أواخر شهر رجب الماضي لمبنى الإفتاء بالطائف بتكلفة تزيد على تسعين مليونا ولقد أشار سماحة المفتي العام الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ - حفظه الله - إلى هذه الصورة الجميلة من تلاحم القيادة والعلماء بما يحقق المصلحة للدين والوطن ويفوت الفرصة على المتربصين من أعداء هذه البلاد وذلك في كلمته الضافية عند افتتاح مقر الإفتاء في الطائف. فأسأل الله عز وجل أن يوفق قيادتنا لما يحبه ويرضاه وأن يبارك في جهود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وأن يديم على هذه البلاد عزها وتوفيقها.