بينما كنت أتأمل في السيرة النبوية العطرة وكانت عن غزوة ذات الرقاع، عندما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر جناحين قويين من أجنحة الأحزاب تفرغ تماما للالتفات إلى الجناح الثالث، أي إلى الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخرى. ولما كان هؤلاء البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقلاع كانت الصعوبة في فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تماما تزداد بكثير عما كانت بالنسبة إلى أهل مكة وخيبر، ولذلك لم تكن تجدي فيهم إلا حملات التأديب والإرهاب، وقام المسلمون بمثل هذه الحملات مرة بعد أخرى. وملخص ما ذكره أهل السيرة حول هذه الغزوة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع أنمار أوبني ثعلبه وبني محارب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم في أربعمائة أو سبعمائة من أصحابه، واستعمل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان، وسار فتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل على بعد يومين من المدينة ولقي جمعا من غطفان فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى بهم يؤمئذ صلاة الخوف. وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت ذات الرقاع لما كنا نعصب الخرق على أرجلنا. وفيه عن جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق في العضاة، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفيه، قال جابر: فنمنا نومه فجاء رجل من المشركين فاخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله، قال جابر: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئنا فإذا عنده إعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت الله، فإذا هو ذا جالس، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان، وفي رواية أبي عوانة: فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال الأعرابي: أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال: فخلى سبيله، فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس. أقول بينما كنت منهمكا في تأمل معاناة سيد الأولين وكيف قابل النبي صلى الله عليه وسلم من كان يريد أن يفتك به بالصفح عنه وذهب إلى قومه ليخبرهم بأنه جاءهم من عند خير الناس. دعيت من قبل بني وقت تسمروا أمام التلفاز لمشاهدة المقطع الذي دار الحديث فيه بين سمو الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية مع الإرهابي عبد الله عسيري قبل أن يقدم الأخير على تفجير نفسه الأمارة بالسوء أمام سمو الأمير وهو يتجاذب مع سمو الأمير بحنان الأب المشفق على أبنائه والحريص على أبناء وطنه وأسرهم واهتمامه الكبير بشؤونهم وأمورهم كلمات تخرج من قلب رجل مخلص محب لشعبه وأمته ووطنه متجاوبا مع أجوبة الإرهابي المليئة بالخداع والكذب وهو يضمر شرا للأمير، فقد جاء لا ليتوب ويسلم نفسه كما ذكر وإنما ليقوم بغدر واغتيال سمو الأمير ولكن الله عز وجل، الذي لا يغفل عن عباده المؤمنين وقت الشدة، حفظه من كيد هذا الغادر فرد الله كيده في نحره وتدبيره تدميره وحفظ الله الأمير من كل ما أراده له هذا الغادر، فنية الأمير الحسنة وصدق توجيهه في إرشاد الضالين والعفو عن المسيئين كانت السبب بعد الله عز وجل في نجاته من هذا الغادر الآثم الذي انتحر أمامك مصداقا لقوله عز وجل (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) فاطر: 43، وقوله عز وجل أيضا (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال: 30. يا سمو الأمير إن جهادك في الحفاظ على وطنك ودولتك و أسلوبك في مقارعة الإرهابيين وذوي الفكر الضال ومحاولة إعادتهم إلى جادة الصواب لهو أسلوب يتسم بالسماحة والخلق الرفيع، والإحسان إلى المسيئين وهو أسلوب حث عليه الإسلام وهو من مكارم الأخلاق وإلا فكيف يهتدي الضال إذ لم يجد من يحنو عليه ويخرجه من ضلاله بالحجة والبرهان والإحسان وتلك سنة الله في خلقه منذ القدم والمصلحون في كل عصر وهم يؤدون رسالتهم المأمورين بها تعرضوا لمثل ما تعرضت له ولم يزدهم ذلك إلا ثباتا على مبادئهم وتوجيهاتهم التي آمنوا بها. يا سمو الأمير إننا الآن على أعتاب مرحلة جديدة لهذا الفكر الشاذ الذي استشرى بين البعض من شبابنا نتيجة لإهمالنا التربية والتنشئة الصحيحة على حب الوطن وحب ولاة الأمر التي أمر الله عز وجل بها في قوله تعالى (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) لقد ابتلينا في من يزين لشبابنا القتل والتخريب والأعمال الإجرامية حتى بلغت بهم الحالة إلى استهداف القيادات الدينية في المجتمع والسياسة بحجة الجهاد كل هذا تمليه على شبابنا قيادات التخريب والتدمير وبعض المؤسسات التعليمية المنحرفة التي تملي على أبنائنا أفكارا ما أنزل الله بها من سلطان فيها تحريف للمبادئ التي قامت عليها هذه الدولة المباركة المحكمة لشريعة الله كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إننا وقد حمدنا الله عز وجل وسجدنا له شكرا على نجاة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف؛ لنطالب باجتثاث الفكر الشاذ الذي استشرى في المجتمع واقتلاع منابع تمويله ومنفذيه وموجهيه وكم هو جميل أن ندرس ما تمخضت عنه لجان المناصحة وإلقاء الضوء على النتائج الباهرة التي حققتها، لقد أشاد الكتاب والمثقفون وأهل العلم كافة بما تقوم به الأجهزة الأمنية بكافة قطاعاتها وفي مقدمتهم سمو الأمير محمد بن نايف، من سبق للقضاء على أوكار هذه الفئات الضالة المخربة وما تخطط له من جرائم إرهابية وما نتج عنه ذلك من آثار. أثارت حفيظة المخربين والمؤيدين والممولين مما يفكرون في وسائل أخرى جديدة للإجرام والعبث بأمن البلاد والعباد ومسؤوليه، ولست أدري ما الذي جعل هؤلاء المفسدين إقناع بعض شبابنا على الإقدام على الانتحار ضحية لفكر منحرف يملون عليهم أفكارا ضالة أخرجتهم عن الصراط المستقيم وللدلالة على تسميم الأفكار أذكر القصة الآتية «أثناء مناصحتي لبعض من غرر بهم وجدت شخصا أهمل زوجته وأولاده فلم يدخلهم المدارس ولم يخرج لهم بطاقة تثبت هويتهم وعندما سألته لماذا قال بالحرف الواحد إن في البطاقة صورة والصور حرام فعرفت أن هذا من الأفكار التي دست في المجتمع في منهج خفي ضلل للناس وقلت له ألا تتق الله في أهلك وأولادك تحرمهم من إثبات هويتهم وهوية وطنهم الذي ينتمون إليه وكذلك تحرمهم من طلب العلم الذي ينير لهم الطريق في هذه الحياة، هذا المثال وغيره من الأمثلة على الأفكار المسمومة التي يبثها دعاة التخريب في المجتمع وبهذه المناسبة أدعو القيادات المخلصة ورجال الفكر والعلم اتخاذ استراتيجية جديدة للتوجه والتذكير بما يقوم فيه هؤلاء المضللون، وبيان ما يجب عمله بأساليب جديدة ومبتكرة يقف من خلالها الآباء والأمهات والمربون على مسؤوليتهم التاريخية عن أبنائهم ويستشعرون الأمانة الملقاة على عواتقهم فكلكم راع وكل مسؤول عن رعيته كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور أن الاستنكار لما يحدث لا يكفي، بل لا بد من العمل بجدية على أرض الواقع بما يحقق الهدف من إزالة ما علت بأذهان بعض الشباب المضلل بأفكار خاطئة، إنني من هنا أناشد رجال الفكر والعلم والأدب اجتثاث هذه الظاهرة من منابعها بجد وحزم وصبر ومثابرة، إنني وقد حمدت الله عز وجل وشكرته كثيرا على نجاة سمو الأمير من كيد الغادرين الذين سينصب لهم يوم القيامة لواء الغدر والخيانة إلا أنني أطلب من سموه الكريم المزيد من التوجه والسماحة والخلق الرفيع والمعروف مهما كلفه ذلك فصنائع المعروف تقي مصارع السوء دمت يا سمو الأمير ودامت بلدنا الغالية تنعم بالاستقرار والأمان تحت قيادتنا الرشيدة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني. مستشار وزير الحج ومدير التوجيه والتوعيةفي الوزارة