بألم شديد، تقول أرملة شابة في العشرين من عمرها، ومن أسرة فقيرة لجأت إلى الضمان الاجتماعي، فكان كل ما تمخض عن جبل مساعدتها، هو مبلغ: «1430» ريالا في الشهر، فطرقت الأبواب لطلب مساعدة مقطوعة، تقول: «لكن الأقسى، أنني وجدت وراء بعض الأبواب التي طرقتها من يساومني على نفسي كي يساعدني، فتقديم المساعدة مرهون بتقديم شرفي في المقابل، والمؤلم حقا أنهم يجلسون على مكاتب لا يملكونها، وفي وظائف اؤتمنوا عليها، وجعلوا فيها لخدمة أمثالي، ومساعدتهم على مواجهة ظروف الحياة، بدلا من التحول إلى طرائد للافتراس البشري.. أنا يا سيدي مهزومة نفسيا وإنسانيا واجتماعيا، لكن الهزيمة الأعظم كانت عندما وجدت نفسي في النهاية مرغمة على تقديم التنازلات». تلك واقعة، استعرض من خلالها - الكاتب الإعلامي المعروف - خالد السليمان، قصة أرملة من أسرة فقيرة في غاية من السلبية. أكتب اليوم وأنا محبط، فالحكاية هي أخت لحكايات كثيرة من التناقض الأخلاقي. ويبدو أن استغلال بعض النفوس الخبيثة لحاجة بعض النساء الضعيفات، قد أصبح فذلكة بعد أن كان وصمة عار. ولم أستطع أن أغفل عن هذه القصة، وهذه المرأة تتعرض لمساومات مخلة بالشرف، ويحتال عليها بهذه الوسيلة من لم يرقب في الله إلا ولا ذمة من أجل حاجتها فتقع فريسة له، وتنتج سلوكيات لا تحمد عقباها، وتستغل أبشع استغلال، وتهان كرامتها وإنسانيتها، ويداس على شرفها، وفي المقابل فإن من تتمسك بعفتها وطهرها تقفل في وجهها الأبواب. إنها قصة فتاة تنتمي إلى بيئة الفقر، تزداد معاناتها بسبب ظاهرة التحرش الجنسي. وهناك الكثير من أمثالها ممن تعرضن لسلوك تطفلي مضمونه جنسي، يجعل المرأة مهددة في أمنها وسلامتها - بدنيا ونفسيا - تحت الضغط دون رغبتها من شخص تعرفه، أو لا تعرفه. وتتفاوت درجات التحرش، بدءا من النظرة الجنسية الفاحصة لجسد المرأة. والتلفظ عليها بألفاظ ذات إيحاء جنسي من خلال المعاكسات الكلامية، أو الهاتفية. وتوضح أرقام التحرش، وهي - غير دقيقة - أن عدد اللواتي يتجرأن على التقدم بشكوى، لا يتجاوز ال (25 في المائة) من مجموع حالات التحرش. فكثير من ضحايا التحرش - نتيجة حساسية الموضوع - يفضلن في نهاية المطاف التغاضي، وعدم إثارة تلك المواضيع، وتركها تمر بسلام خوفا من الفضيحة، ومن تلويث سمعتها، إضافة إلى حاجتها لكسب لقمة العيش، فلا تتجرأ - حينئذ - عن الإبلاغ. ولذا لا توجد إحصائيات دقيقة توضح حجم تلك الظاهرة، التي بدأت تطل برأسها في الآونة الأخيرة. إن الأمر يتطلب الوقوف على هذه الظاهرة ودراستها، من أجل حماية المرأة من أنواع العنف - المادي والمعنوي - الموجه ضدها، عن طريق ابتكار الحلول الشرعية والنظامية التي تواجهها. وسن قوانين واضحة وصارمة ضد التحرش الجنسي، وتفعيل تلك القوانين، حتى يتخذ بحق كل من يستغل وظيفته من أجل التحرش الجنسي إجراء تعزيريا صارما، ولا بأس من التشهير به إن ثبتت جريمته. كما أن تشجيع النساء بالإبلاغ عن ظاهرة التحرش الجنسي، وعدم الخوف من الفضيحة، والعودة إلى الخلف، وعدم التقدم خطوة إلى الأمام، والتعاون مع الجهات الأمنية لمعاقبة هؤلاء المجرمين، ومحاسبتهم، وتغليظ العقوبة في حقهم، أمور في غاية الأهمية. أكتب ما سبق والقلم يئن بين أصابعي، وأنا لا زلت أحاول ترويضه، عل بعض الحروف تبعث أملا في هذا الواقع المخيف، فإن الله يمهل ولا يهمل، ومن يراود الناس في أعراضهم، فإن الله له بالمرصاد. د. سعد بن عبد القادر القويعي