لست من أصحاب النظرة أو الفكر التشاؤمي، بل إنني مستمسك بوصية نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار: «بشروا ولا تنفروا»، بيد أنني صاحب نظرة وتفكير واقعي جداً يأخذ بالمقدمات العقلية ويعمل بقواعد منطق التفكير الأرسطي حتى يعصمني بمراعاته عن الخطأ في التحليل، لذلك فإنني أضع كل مسألة أو موضوع على ميزان العقل لفهمه وحسن إدراك أبعاده كي نصل إلى معالجته والخروج بالنتيجة المطلوبة، وهو الأمر الذي خلصنا إليه في الشهرين الماضيين بل وفي العقود المنصرمة، نظراً لخطورة الوضع وحساسيته وتداعياته ليس على الأحداث في فلسطين فحسب، بل في المنطقة بأكملها، وما وصلت إليه الأمور هو نتيجة منطقية لتفشي العنف الذي فجّر الوضع وجعل الأمور تتجه من السيئ إلى الأسوأ. جميعنا نعرف القاعدة التي تقول: «العنف يجر العنف والتطرف يولد التطرف»، وانطلاقاً منها وعليها أبني الحقائق التي وصلت إليها، وبإلقاء نظرة سريعة على ما جرى منذ 7 أكتوبر وما بعده من أعمال عنف نجد أنها أيقظت التطرف، بل جعلته ينمو من جديد وينتشر كالنار في الهشيم يخترق العقول ويعشعش في النفوس، وهذه نتيجة طبيعية، نظراً للحرب المسعورة التي نشبت بين الأطراف المتقاتلة، والإفراط في ردات الفعل واستعمال العنف والسلوك المتطرف، كل هذا الزرع طبيعي سيحصد عنفاً وكراهية وتطرفاً سينتشر ويؤثر على المجتمع والشعوب ودول المنطقة لفترة غير محدودة مع الأسف، وبالتالي نحن أمام مشكلة فكرية وأمنية كبيرة وأزمة عميقة وموجة شعبوية ذات طابع (إسلاموي) مسيرة مسلوبة العقل، مشحونة العاطفة فاقدة السيطرة مليئة بالكراهية محرضة على العنف بتطرف أعمى تناست وتجاهلت القيم الإنسانية والدينية الداعية إلى تفعيل سبل السلام ونبذ القتل وسفك الدماء، وقد قال نبي الإنسانية نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: «إن اللّه تعالى يُعْطي على الرِّفْق ما لا يُعْطي على العنف»، والأخطر من ذلك كله أن الفكر المتطرف والعنف لن يتوقف عند جغرافيا معينة بل سيتمدد ويشتعل في أنحاء العالم لنسمع بعملية إرهابية هنا وعنف هناك بأقنعة مختلفة، ولقد أثبت التاريخ والأيام والأحداث الراهنة ذلك. إن الخطر الآتي نتيجة استشراء التطرف يستدعي منا جميعاً التحرك لسحب عود الشعلة من علبة الكبريت حتى لا يحرق غيره، وهذا يتطلب وعياً كبيراً لمنع نمو التطرف في منطقتنا من جديد والذي عانينا منه لسنوات، لذا المطلوب معالجة المرض الخبيث المسمى بالتطرف واقتلاعه من جذوره قبل انتشاره، ولا شك أن ذلك لن يتحقق إلا بالتعاون المشترك بين المعنيين لأن المشكلة أصبحت عابرة لمناطق العالم، والمطلوب من نخبة المجتمع من سياسيين وعلماء دين وقانون وإعلاميين وأصحاب الفكر وعلماء اجتماع وتربويين من أتباع منهج الوسطية والاعتدال العمل معاً من أجل تنسيق الجهود للتصدي لنمو التطرف ومكافحة دعاة الكراهية المحرضين على العنف المصطادين بالمياه العكرة، ولرفع منسوب الوعي المجتمعي بنشر ثقافة الانفتاح ونشر قيم التسامح بين الثقافات والأديان والحضارات باعتبارها ثروة إنسانية «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، وليست مادة لاستخدامها في الصراعات المشبوهة، في المقابل أيضا ينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة والصارمة وتفعيل القوانين بمعاقبة أولئك الذين يتبنون الأفكار الضالة التي تودي بالعباد والبلاد إلى الهلاك ومعالجة الخطر المحدق بنا وبالأجيال القادمة، وعلينا أن ندرك أن الحريق إذا اشتعل فتيله لن يقف عند حدود ولن يبقي ولن يذر اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.