صوّت مجلس الأمن 17 أكتوبر ضد وقف إطلاق النار وفتح المنافذ الآمنة للمساعدات الإنسانية، رغم إدانة مشروع القرار لهجمات «حماس» الإرهابية. الدبلوماسي الغربي الذي يرتدي السترة الأنيقة في أروقة الأممالمتحدة ودهاليز السياسة الغربية، صوّت لاستمرار تهجير الفلسطينيين القسري وهدم مدنهم، وإجلائهم، «ليس» إلى الداخل الإسرائيلي «بل» إلى دول عربية أخرى لا دخل لها فيما يحدث من قريب ولا من بعيد. قبل أسابيع قليلة كان السلام في الشرق الأوسط قاب قوسين أو أدنى بفضل الزخم السياسي الإقليمي والدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية لإقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط، وقلب صفحة الإرهاب والحروب والعنف، إلى صفحة جديدة من تاريخ التعايش والسلام، والازدهار الاقتصادي والاجتماعي. اقتنص الرئيس المصري الفرصة التاريخية، بدعوته رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للتحرك مع الأشقاء الفلسطينيين. وبدعوة وبحضور رئيس السلطة الفلسطينية، عقد الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية، اجتماعات عدة بدأت الأحد 30 يوليو 2023م في مدينة «العلمين» المصرية؛ أكدوا خلالها ضرورة تشكيل حكومية وطنية تقود الحراك السياسي بقرارات لتعزيز اللحمة الوطنية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه اليومية، على المدن والقرى والمخيّمات، ومدينة القدس. الدبلوماسي الغربي الذي تُلزمه التبعات التاريخية، وتوجب عليه إنسانياً على الأقل، إن لم نقل سياسياً ودبلوماسياً وأخلاقياً، لم يتحرك لمساندة السانحة التاريخية وحمايتها، وكان يعلم: 1- تأزيم حكومة الاحتلال للأوضاع، حين دعت جماعات يمينية إسرائيلية الشهر الماضي لتكثيف اقتحامات المسجد الأقصى بمدينة القدسالشرقية، وأعطى وزير الأمن القومي الإذن الرسمي باقتحام الأقصى «على مدار الساعة مع إمكانية صلاتهم فيه»، فعزز جيش الاحتلال الإسرائيلي الإغلاق الشامل على الأراضي الفلسطينية والمعابر مع قطاع غزة. 2- تقاطر آلاف المستوطنين لاقتحام المسجد بعد تحويل مدينة القدس والمسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية لحماية المتطرفين اليهود، وبمرافقة رموز دينية وسياسية. 3- إدانة واستنكار العواصم العربية، والرياض التي تقود محادثات تعتبر الأهم في تاريخ القضية الفلسطينية. 1- تحذيرات «مجلس الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية مدينة القدس» من انفجار الأوضاع، ومطالبته «لجان منظمة اليونيسكو الخاصة بفلسطينالمحتلة» القيام بواجباتها القانونية التي توقفت عن إصدار رصد وتوثيق الانتهاكات في القدس الشريف، في السنوات الأخيرة. 2- اعتماد حكومة الاحتلال بناء 12,855 وحدة سكنية استيطانية، في أول ستة أشهر من 2023م، كاسرة رقماً قياسياً مسجلاً سابقاً عن عام كامل. التساؤلات محيرة، فانحياز الغرب لمخطط الاحتلال الإسرائيلي كان قبل الحرب العالمية الثانية، وانتهاك الغرب للقوانين الدولية ونقضه التزاماته ووعوده مع العرب والفلسطينيين مستمر منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى. لأكثر من قرن، المماطلة والتسويف والتدرج في تغيير الواقع على الأرض بجهود الدبلوماسي الغربي والدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي والتنسيق الاستخباري رفيع المستوى، لم يبقِ للتبريرات وجاهة تذكر. أما استحداث الحجج بات مملاً، فالتذرع بهجمات الجماعات الإرهابية لتجريف منجز الشعوب العربية والإسلامية في تجفيف منابع الإرهاب، وتضحيات نضالها السلمي لإحقاق الحقوق في فلسطين الأرض والقضية، فهو «لبس للحق بالباطل» وتأييد لأهداف الجماعات الإرهابية، على حساب الشعوب العربية والشعب الفلسطيني كونهما المستهدف الرئيسي من أنشطة الإرهاب. رمزية القضية الفلسطينية لدى الأجيال الجديدة الناقمة على «الانحياز الغربي المضاد للعدالة والشرعية الدولية»، جعل الحرب بالوكالة، واستقبال النازحين، وجهين لعملة الانحياز البغيض والتجاذبات الحزبية الغربية، تؤجج الجماهير، وتغذي الاحتجاجات، التي لم تخلُ من دعوات التطرف التي سمعها وشاهدها العالم عبر قنوات الإعلام. الغرب لا يقوم بجهد مكافئ مع الدول العربية لمحاصرة التطرف وتجفيف منابع الإرهاب بحكم البعد الجغرافي أو عدم اكتراثه كثيراً بما يحدث في المنطقة، حسب «شعرة معاوية»، حتى لا يكون «عدم اكتراث مقصود». أظهرت الاحتجاجات المضادة للاحتلال الإسرائيلي في شوارع عواصم الغرب شعارات متطرفة، قفزت على التجاذب الحزبي في العواصم الغربية. يعتبر ذلك، نذير شؤم للمنطقة والعالم، ويذكرنا بالتوافد الكبير للجماعات الإرهابية في العراق وسوريا بالأمس القريب من كل دول العالم ومنها الدول الغربية. نية الغرب في صنع السلام مع الإنسان العربي كشريك للمستقبل الزاهر، تنقصها الأفعال والمواقف، وليس المقصود بالمواقف استقبال اللاجئين والنازحين من ويلات الحروب في الشرق الأوسط، فهذا «ذر للرماد في العيون»، ودعم مباشر لجهود الاحتلال الممنهجة لتهجير الفلسطينيين. الرياض وقفت مع الحق الفلسطيني إبان عصبة الأممالمتحدة، وبتأسيس هيئة الأممالمتحدة، ولها تاريخ مشرف ومواقف شجاعة ومواتية في حينها، تنبثق من الحق والشرعية والعدل، وشاركت مفهومها مع الغرب لفهم حساسية القرارات والموقف والمنطقة. قَبِلها البعض كالرئيس الأمريكي روزفلت، ولم تناسب البعض كرئيس وزراء بريطانيا شرشل، وفي مجلس الأمن من يعارض لجم آلة القتل والتدمير الإسرائيلي الذي يحل على الفلسطينيين دون توقف منذ 75 عاماً. الرياض الشريك الأساسي في جهود السلام والداعم الرئيسي للأعمال الإنسانية الدولية، أطلقت مبادرة السلام العربية عام 2002 في قمة بيروت، كخيار استراتيجي عربي وتبنته الدول العربية، فيما لم يحدث أي تطور في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة سوى مزيد المعاناة والتشريد والتدمير والقتل والإرهاب المنظم من سلطات الاحتلال على مسمع ومرأى من الغرب. الغرب المنحاز لقبح اعتداءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي والداعم للتصعيد العسكري بات مكشوفاً، حتى في الشارع الغربي. فعلياً الغرب القابض على قرار المنظمة الدولية نفدت منه الخطب البلاغية والأعذار الواهية ولم تعد تقنع لا الشعوب ولا الحكومات العربية. الموقف المتساهل «غربياً» من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على المقدسات الإسلامية والشعب الفلسطيني أصبح في مفترق طرق، لتحديد خيارات العالم المستقبلية التي يشارك فيها الدبلوماسي والسياسي الغربي مشاركة فاعلة، ومسؤول عنها بحكم تأثيره في المنظمة الدولية، وفي عواصم صناعة القرار الدولي.