كثرت ظاهرة التنمر والسب والشتم ضد المؤثرين والشخصيات المعروفة في مواقع التواصل الاجتماعي دون أي سبب واضح، وأنا هنا لا أعترض على النقد البنّاء الهادف لكنني أعترض على الهجوم والفجور في الخصومة. لماذا لا نقابل الفكرة بالفكرة والمقال بالمقال والرأي بالرأي ودحضها بالحجج والبراهين؟! دعوني في هذا المقال أسلّط الضوء على أنموذج وأجعله مثالاً للتحليل والدراسة، وأقصد بذلك عامل المعرفة الدكتور أحمد العرفج. نعم أعترف أن العرفج له محبون كثر كما يؤكد ذلك الإقبال الكبير والتفاعل على مقالاته وبرامجه وتغريداته في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد لاحظت ذلك منذ سنوات وهؤلاء هم محبوه. وفي الجانب الآخر أجد كمية من الشتم والانتقاص والتنمر على العرفج وهؤلاء أسميهم الشامتين. ودعوني أطرح هنا سؤالاً وأقول ماذا قدم هؤلاء الذين لا يجيدون إلا الشتم والتنمر؟! لقد بحثت عن إجابة لهذا السؤال فلم أجد إلا رمي الكلام دون أدلة وشتائم لا تمّت إلى النقد الموضوعي بصلة وكلاماً عاطفياً يسمعونه من المجالس والمقاهي ويرددونه بلا تفكير، والغريب أن الدكتور العرفج يعيد تلك التغريدات التي تشتمه وتسيء له ولا أعلم ما هي الأسباب خلف ذلك هل هي تعرية للشامتين أم هي ثقة وتصالح مع النفس؟! وهذا الاستغراب ليس خاصاً بي، بل إن الكاتب القدير خلف الحربي قد طرح هذا التساؤل من قبل! كيف رد العرفج على منتقديه؟ لقد تابعت تعامل عامل المعرفة مع منتقديه وظننت أنه سيرد عليهم بطريقتهم التي تقول الشتيمة بالشتيمة، ولكن العرفج خيّب ظني ورد عليهم بطريقته الخاصة، وهي على النحو التالي: أولاً: بإعادة أي تغريدة تشتمه في تويتر! كما ذكرنا سابقاً. ثانياً: كان الرد بطريقته العملية الجادة على سبيل المثال: أولاً: حينما سخروا منه جمع مادة السخرية فألّف كتاباً عنها بعنوان «كلام عابر في الأدب الساخر». ثانياً: سخروا من برنامج يا هلا بالعرفج فقرر أن يحتفل بالحلقة 300 قائلاً: نحن في طريقنا للاحتفال بالحلقة 400 كدليل على قوة البرنامج واستمراريته لمدة عشر سنوات قائلاً: (القادم أجمل). ثالثاً: يتحدث بعض المنتقدين عن حقدهم وكراهيتهم للعرفج فيجمع مادة الحقد والكراهية ويؤلف كتاباً عنها بعنوان «حوار حول العلاج بالتسامح». رابعاً: يشكك البعض في مصداقية فقرة المشي مع العرفج، وبالذات حينما يمشي مع الأمراء والوزراء وكبار الشخصيات، وبعد التشكيك وجد عامل المعرفة بطريقته المعتادة أن أفضل طريقة للرد على المشككين هي إصدار كتاب بعنوان «يوميات مع المشي والخطوات». خامساً: لقد شكّك بعض منتقدي العرفج بقدرته الكتابية، وأن هناك شخصاً بالباطن يكتب له.. في هذه اللحظة قرر صاحبنا أبو سفيان جمع كل هذا النقد ثم أصدر كتابين حول هذا الموضوع: الأول: بعنوان الكتابة العلاجية، وهو كتاب فريد في بابه، ونادر في موضوعه، وقد حصل على جائزة أفضل كتاب في المنتدى السعودي للإعلام في نسخته الثانية، ورأينا الاحتفاء به في كافة وسائل الإعلام، بحضور الوزراء وكبار الإعلاميين في الوطن العربي، وعلى رأسهم غسان شربل الذي سلّم الجائزة للدكتور العرفج. الثاني: بعنوان كيف تكتب مقالاً؟، وهو بحث علمي وتأصيل منهجي عن فن كتابة المقال. سادساً: دار حديث طويل بين منتقدي عامل المعرفة، حول السعادة بعد أن نشر مقطعاً يؤكد فيه أن السعادة تنبع من الداخل ولا علاقة لها بالظروف الخارجية ماذا حدث بعد ذلك؟ لقد جمع كل هذا النقد ثم ألّف كتاباً عن السعادة. رسالتي إلى كل شاتم لقد تأملت من يشتمون عامل المعرفة فوجدت ما يلي: أولاً: أنهم قد حرموا أنفسهم من أشياء قد تفيدهم، وتنمّي معارفهم، ودعوني أذكر هنا بعض الأمثلة.. لقد اشتريت كتاب المهمل من ذكريات طالب تنبل، وهي سيرة الدكتور العرفج الدراسية من الابتدائية إلى الدكتورية. شدني الكتاب فوجدت نفسي أختمه في أقل من يوم، وهذه لم تحدث معي سابقاً إلا مع كتاب الدكتور غازي القصيبي «حياة في الإدارة» التي أنجزته في يومين. والدي أستاذ اللغة العربية والشاعر الأديب والمثقف عبدالله المشعل لفت نظره كتاب الدكتور الذي أنهاه في جلسة واحدة فأرسل لي معلقاً ومعجباً بالكتاب وإليكم نص ما أرسله لي: «بدأت في قراءة الكتاب فشدني إليه أسلوبه البديع وعبارته اللطيفة وحواره الممتع وأدبه الرفيع فهو من السهل الممتنع. فالقارئ لا يحس بملل أو سأم، بل بجاذبية فائقة لا يملك المرء لنفسه قياداً إلا مواصلة القراءة والاستمتاع، ومن الملفت في الكتاب صراحة مؤلفه، وعدم تلميع نفسه، وتمتعه بذاكرة فريدة في سرد المواقف، وذكر الأشخاص. كما أن الدكتور العرفج سطر أنموذجاً رائعاً للإنسان الذي لا يعرف اليأس لروحه سبيلاً. فهو تجسيد لما قيل إن العاقل من اتخذ من الفشل ذريعة للنجاح وتحقيق الأمل في المستقبل». وفي الجانب الآخر لم يكن والدي المعجب الوحيد (الذي قرأ الكتاب في جلسة واحدة، بل هو من المئات الذين فعلوا هذا الفعل) ومنهم أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية الدكتور عبدالله المدني من البحرين علّق في تغريدة له بخصوص الكتاب نفسه قائلاً: «أنهيت للتو في جلسة واحدة قراءة هذا الكتاب الماتع الساخر لأحمد العرفج عن سيرته الذاتية، وما واجهه من صدمات اليتم والشقاء والبيروقراطية والإحباط واليأس والاغتراب وتآمر المتشددين وتغير أماكن الدراسة والعمل والمشرفين على رسالته للدكتوراه». واختتم ناصحاً الجيل الجديد بقراءة الكتاب. ثانياً: التعلم من مثابرة العرفج وصبره وجلده على التأليف فهو حتى تاريخ كتابة هذا المقال قد أنجز أكثر من خمسين كتاباً ما بين مطبوع ومخطوط، وهذا رقم قياسي لرجل كان موظفاً سابقاً ومسفاراً وفاعلاً في مواقع التواصل الاجتماعي التي تسرق الوقت ومع هذا استطاع تنظيم وقته وتوزيعه بين السفر والكتابة والعمل وغيرها من الأنشطة التي يقوم بها ونقرأها في مواقع التواصل كإقامة الدورات التدريبية والرحلات والالتقاء بأصحابه بشكل يومي. ثالثاً: كنت أتمنى من شاتمي العرفج أن يستفيدوا من رحابة صدره، فهو رغم الشتائم التي توجه إليه كل صباح لا يرد على أحد، ولا يستهلك طاقته بالجدل معهم بل يطبق مقولة سقراط «قل كلمتك وامض». رابعاً: ليت الذين يشتمون العرفج يقلّدونه في بث روح التفاؤل والتحفيز وحب الخير للناس، تلك الأشياء التي يبثها عامل المعرفة كل صباح في منصات التواصل الاجتماعي. خامساً: ليت الذين انتقدوه حاولوا دراسة الأسباب التي أدت لاستمرار برنامج يا هلا بالعرفج الذي يدخل عامه العاشر بكل نشاط وحيوية حتى أصبح من أكثر البرامج صموداً، والسبب في ذلك تنوّع فقراته مع الحرص على تبسيط الثقافة ونشر المعرفة ليصبح مجلة تلفزيونية كاملة الدسم وصعبة التقليد. سادساً: العرفج ليس فوق النقد، وهناك مآخذ كثيرة عليه، ويمكن توجيه النقد العلمي لإنتاجه المكتوب أو المرئي، ولكن بشرط أن يبذل الناقد جهداً جيداً في قراءة ما يصدره المذكور حينها سيجد الكثير من الملاحظات والمآخذ التي تتحمل النقد. العرفج ترك الأقوال والضجيج وذهب للإنتاجية ولما آمن به ووضعه على عاتقه في حياته اليومية ويحث من حوله عليها، وبشكل دائم وهي كالتالي: أولاً: تقوية الصلة بالله وبر الوالدين، ورأينا كيف كان باراً بوالدتنا لؤلؤة العجلان رحمها الله حريصاً على برها وزيارتها. ثانياً: نشر ثقافة القراءة حيث خصص فقرة مزايين الكتب في برنامجه الشهير يا هلا بالعرفج لاستعراض الإصدارات المهمة وحتى كتابة هذا المقال استعرض أكثر من 350 كتاباً. ثالثاً: نشر ثقافة المشي حيث خصص فقرة المشي مع العرفج في برنامجه باستضافة الأمراء والوزراء وكبار الشخصيات والمؤثرين التي ساهم من خلالها ومن خلال حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي نشر ثقافة المشي التي غيّرت حياة الكثيرين وحفزتهم على المداومة على المشي. رابعاً: نشر ثقافة الأمل والعمل والإيجابية ومن يتابع مقالاته ونشاطاته وخاصة سناب شات يجد فيها نشر الإيجابية والحث على السعادة والحب والصداقة وصناعة الحياة. خامساً: نشر ثقافة التسامح، فعلى سبيل المثال ما زلت أتذكر العرفج في بداية أزمة كورونا حين اقترح إغلاق المساجد للحد من انتشار الوباء، وبعد اقتراحه قوبل بهجوم حاد وشتم كامل الدسم، وبعد أسبوعين صدر قرار بإغلاق المساجد حينها لم ينتقم العرفج لنفسه، ولم يرفع قضايا على من شكّكوا في أصله ونسبه ودينه بل عفا وتجاوز عن آلاف التغريدات التي أساءت إليه، وهذا كله مثبت حتى الآن في تطبيق تويتر، وما زلت أتذكر أن الشاعر المغرد الأستاذ عبداللطيف آل الشيخ طالب كل من أساء لعامل المعرفة أن يقدّم اعتذاره بخصوص اقتراح إغلاق المساجد. سادساً: جهود العرفج في تبسيط الثقافة والمفاهيم وله كتب كثيرة في هذا المجال، ولعل أبرز الأمثلة محاولته لتبسيط رؤية 2030 بإصداره كتاباً يحمل عنوان «مقابلة مع سفينة نوح».. وكتاباً آخر بعنوان «المهارات الوظيفية في زمن الخصخصة» وكتب مقدمته وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية معالي المهندس أحمد سليمان الراجحي. وعلى طريقة أبي سفيان حسناً ماذا بقي؟! بقي القول: أن العرفج يتيم فاستوصوا به خيراً لقوله تعالى (فَأَمَّا 0لْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) (الضحى:9). واعلموا بأن السباب لغة الجهلاء، أما أهل العقل فلغتهم الحوار والمنطق، فالعرفج حينما يشير إلى القمر لماذا ننظر إلى أصبعه؟ نظراً لضيق مساحة المقال فإنني أكتفي بهذه النماذج وإلا فالنقد الموجه لعامل المعرفة وكتبه كثير كما أن النقد الموجه لشاتميه أكثر، ولكن لضيق المساحة أكتفي بهذا القدر.