الدرعية نقطة انطلاق الدولة السعودية والعاصمة السياسية والثقافية والاجتماعية، ومهد حضارة إنسانية عظيمة قادها الأئمة الأوائل من آل سعود، إذ احتضنت أسوارها قصصاً بطولية في التضحية والفداء والذود عن حمى الدولة التي أسَّسها الإمام محمد بن سعود. ويعدّ مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن من الشخصيات العظيمة البارزة في تاريخنا السعودي؛ فهو الإمام المؤسس وهو من وضع أركان الدولة العظيمة المباركة وأساس الحكم الرشيد. وحَّد الإمام محمد بن سعود الجهات في الدرعية، واستطاع نقلها نقلة كبرى من دولة مدينة قادرة على احتواء ما حولها من المواقع إلى دولة كبرى استطاعت توحيد معظم أرجاء الجزيرة العربية. وتحقق في عهد الإمام محمد بن سعود عددٌ من الإنجازات، كتحويل الدرعية إلى مركز حضري متميّز وبناء أحياء جديدة، و سور للدرعية لحمايتها من الهجمات، وتأمين طرق الحج والتجارة، وبسط الأمن والاستقرار والأمان، والعناية بالتعليم. كما عمد الإمام محمد بن سعود إلى تنظيم الأوضاع مع القبائل المحيطة بالدرعية من أجل إسهامها في أعمال البناء والوحدة. وقاد عدداً من حملات التوحيد قبل أن يُسلّم قيادة الجيش إلى ابنه عبدالعزيز. عمل الإمام محمد لأن تكون السياسة المالية والاقتصادية للدولة مبنية على أسس صحيحة؛ لذلك عمل منذ تأسيسها لتنظيم الموارد المالية وتقنينها، واستطاع في مدة وجيزة أن يجعل الدرعية من أعظم المراكز المالية في وسط الجزيرة العربية. بعد وفاة الإمام محمد بن سعود في عام 1765م، خلفه في الحكم ابنه عبدالعزيز بن محمد بن سعود وتولى بعده ابنه سعود إلى أن توفي عام 1814م في الدرعية، وبويع ابنه عبدالله الذي استمرَّ في العمل الصامد ضدّ الحملات العثمانية المعتدية. واستمرّت الدرعية عاصمة للدولة إلى أن اختار الإمام تركي بن عبدالله الرياض مقرّاً للحكم عام 1824م. وفي ذكرى يوم التأسيس يستشعر السعوديون الماضي المشرق والصفحات المضيئة التي خطّ الأجداد سطورها بدمائهم، حتى تحولت الدرعية إلى أيقونة وطنية برمزيتها وتأثيرها في مسار الأحداث التاريخية التي مثلت منعطفات مهمّة وحاسمة في تشكيل الدولة السعودية، وصولاً إلى توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود. يعود تاريخ تأسيس الدرعية إلى منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، حين انتقل مانع المريدي بأسرته من شرقي الجزيرة العربية إلى وادي حنيفة بدعوة من ابن عمه ابن دِرع صاحب حَجْر والجزعة، فمنحهم موضعي «المليبيد» و«غصيبة»، فاستقرّ فيهما مانع بأسرته، وأصبحا مأهولين بالسكان، لا سيما أن أرضهما خصبة للزراعة، وأنشأ فيهما الدرعية، فأصبحت إمارة قوية بقيادة أئمة الدولة السعودية. وتتبع الدرعية إداريّاً منطقة الرياض، وتبعد عن العاصمة الرياض 20 كليومتراً، وتبلغ مساحتها نحو 2020 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها نحو 74 ألف نسمة. تراثي عالمي وعاصمة للثقافة منظمة الأممالمتحدة للعلوم والتربية والثقافة «اليونسكو» أعلنت في عام 2010م حي الطريف التاريخي في الدرعية موقعاً تراثيّاً عالميّاً، كما اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألسكو» أواخر العام الماضي 2021م الدرعية عاصمة للثقافة العربية للعام 2030، لتصبح ثاني مدينة سعودية يقع عليها الاختيار بعد الرياض. وتقوم هيئة تطوير بوابة الدرعية اليوم بمسؤوليات عدّة ضمن نطاق عملها الذي يمتدّ مشروعه التطويري على أكثر من 7 كيلومترات مربعة، ويشمل حيَّ الطريف التاريخي الذي يعدّ مقرَّ الحكم لأئمة الدولة السعودية الأولى والثانية، ويحوي القصور والمساجد والنطاق السكاني لأهالي الدرعية في ذلك الوقت، إضافة إلى مطل البجيري وغيرهما من المواقع، وبدعم غير محدود واهتمام ورعاية من القيادة تعمل الهيئة لحفظ هذا الإرث التاريخي العظيم لأرض الملوك والأبطال، ولإبرازه على النحو الذي يسهم في تحويل الدرعية إلى وجهة أولى عالمية بالتوازي مع المشروعات التطويرية الأخرى التي توائم بين القيمة التاريخية للمكان ومتطلبات الحياة العصرية، بما يسهم في الارتقاء بجودة الحياة ويواكب أهداف رؤية المملكة 2030 احتضنت أسوارها قصصاً بطولية في الفداء تحولت إلى أعظم المراكز في وسط الجزيرة تبعد عن العاصمة الرياض 20 كيلومتراً تبلغ مساحتها نحو 2020 كيلومتراً مربعاً عدد سكانها نحو 74 ألف نسمة تأسست في منتصف القرن التاسع الهجري