على الرغم من أنّ قطاع التجارة بالتجزئة لم يشهد سابقاً مثل هذا الكمّ من الفرص، إلا أنّه لم يشهد أيضاً هذا الحجم من المنافسة. ومن أجل خوض هذا المجال بنجاح، ينبغي على التجار فهم حاجات المتسوّقين والفرص التي من شأنها أن تساهم في تعزيز أهمية ومكانة تجارة التجزئة في المستقبل ومنحها شكلها النهائي. أمّا المستقبل الذي نتوقعه هو المستقبل ذو الطبيعة التجريبية الذي يعتمد على قوة صنّاع المحتوى والمجتمعات لإعادة البيع بالتجزئة إلى جذوره التفاعلية. التجارة قديماً في السابق، كانت التجارة تجربة محدودة غير أنّها كانت تتّسم بالألفة حيث تجري بين الأفراد، ويتمّ تحديد نوعها وشكلها بحسب حجم المجتمع والسلع الأساسية، وطبيعة السوق الفعلية. وهذا النمط يسمح للأفراد بالتواصل والتحدث وإنشاء نظام داعم مبني على الثقة. ولكن، نظراً إلى أنّ حجم السوق وقدرة الوصول والحصة السوقية قد باتت هي العناصر الأبرز في التجارة، تمّ إلغاء الجزء الأهمّ في هذه العملية وهو: المجتمع. ونجد أنّ الفكرة في أنّ التجارة متأصلة في قلب التجربة البشرية قد تلاشت ولم تعد بنفس الأهمية التي كانت عليها في السابق. ظهور التجارة المجتمعية لهذا السبب، يترسّخ اليوم نمط التجارة القائمة على نموذج تسويقي يعتمد على منشئي المحتوى، بحيث يجمع ما بين مدى وصول المنصات الرقمية وعامل «الألفة» الذي يميّز الشكل التقليدي لتجارة التجزئة، وهذا ما نطلق عليه تسمية «التجارة المجتمعية». وفي إطار هذا النموذج، لم يعد المجتمع يمثّل سلعةً تستفيد منها العلامات التجارية، بل بات هو المحرّك الفعلي لتجارة التجزئة. ومن أجل الاستفادة من هذا التحوّل، بات من الأهمية الكبرى بالنسبة للعلامات التجارية أن تفهم التطوّر الذي تشهده سلوكيات المستهلك على المنصّات الرقمية. من التركيبة الديموغرافية إلى المجتمعات من أجل أن تحظى باهتمام المستهلك، على العلامات التجارية أن تفكّر بشكل مبتكر خارج الحدود المعتادة، وألا تعتمد على التركيبة الديموغرافية بشكلها التقليدي. ونرى حالياً أنّه لم يعد من الملائم أن يتمّ تصنيف الجمهور بحسب الخصائص الديموغرافية الأساسية مثل العمر أو الجنس أو الموقع أو حتّى اللغات المشتركة. يجب إذاً النظر إلى المجتمعات الموجودة على الإنترنت على أنّها «مخيّمات رقمية»، وهو تعبيرٌ استخدمته مجلّة «هارفارد بزنس ريفيو» في مقال نشرته للإشارة إلى المساحات الودّية حيث يجتمع الأفراد ويتشاركون اهتماماتهم وقصصهم ويتحدّثون مع بعضهم البعض. فالأفراد باتوا اليوم يبتعدون أيضاً عن ملفات تعريف الارتباط وأدوات تحديد الهوية للجهات الخارجية، وبالتالي، بات فهم المستخدم من خلال اهتماماته ومجتمعاته أكثر أهمية من أي وقت مضى. من الجماهيري إلى الخبرة نشير بالخبرة إلى المعرفة والقدرة والاهتمام والشغف والمهارة والكفاءة والدراية. فالخبرة تحقّق تأثيراً حقيقياً في المجتمعات القائمة على الاهتمامات. ومن أجل أن تتمكّن العلامات التجارية من عرض القيمة في ما تقدّمه، وترسّخ ما يميّزها عن غيرها ضمن المنافسة، عليها أن تعمل على صنع محتوى ملائم ومخصّص قائم على اهتمامات المستخدمين. ويوافق 78% من المستخدمين ل«تيك توك» على أنّ أفضل العلامات التجارية تقوم بإنشاء مقاطع فيديو تتناول مختلف أنواع المواضيع والاهتمامات بينما يرى 79% من المستخدمين أنّ العلامات التجارية ينبغي عليها أن تقوم بتجربة مواضيع واهتمامات متنوّعة. وينعكس التحوّل نحو إيلاء الأولويّة للخبرة في التغيّرات التي شهدناها في نموذج التسويق التقليدي الذي يعتمد على المؤثّرين، حيث إن التجارة الإلكترونية اليوم تعتمد بشكل كبير على المبدعين من صنّاع المحتوى عوضاً عن المؤثرين، بحيث يتمّ تحديد المبدعين وفقاً لمجالات خبرتهم وأصالتهم، مقارنةً بالمؤثرين الذين يتمّ تحديدهم بحسب عدد متابعيهم. من سياسات الإقناع إلى المشاركة والتفاعل في حين تعتمد التجارب التعاملية على القدرة على الإقناع، تسهّل التجارب التفاعلية القدرة على المشاركة. لم يعد المستهلكون يرغبون اليوم بأن يشعروا بأنّ الهدف الأساسي هو بيعهم منتجاً ما، بل يرغبون في صنع المحتوى مع العلامات التجارية بقدر ما يرغبون في إنشاء المحتوى مع بعضهم البعض. بالتالي، وعوضاً عن ضخ الإعلانات المزعجة، ينبغي على العلامات التجارية أن تأخذ الوقت الكافي لإنشاء محتوى يندمج بسلاسة مع وقت المستخدم التعليمي الترفيهي. ويؤدّي مثل هذا المحتوى إلى تشجيع المستخدم على منح الثقة والمشاركة. ومن خلال دمج الأفكار والبناء على أفكار بعضنا البعض داخل المجتمعات، تحقق المنتجات الرواج المطلوب، وتكتسب العلامات التجارية الاهتمام، ويزداد انتشار الأخبار على نطاقٍ واسع. وفي الواقع، يعتقد 58% من المستخدمين على «تيك توك» أنّ المشاركة «ترفع المعنويات»، وهو أمرٌ أساسي بالنسبة لقرارات الشراء، ويرى 80% من المستخدمين أنّ المحتوى الذي يصنعه المستخدمون يحقق تأثيراً عالياً على قرارات الشراء الخاصّة بهم، ويقول 78% إنّ أفضل العلامات التجارية على «تيك توك» هي تلك التي تتشارك أفكارها وتتعاون مع المستخدمين. التطبيق على أرض الواقع استعداداً لمواسم البيع التي تحقق إيرادات لافتة بالنسبة لقطاع التجزئة في المنطقة، تستطيع العلامات التجارية تحقيق مكاسب هائلة من خلال المنصات التي توفر فرصاً مربحة للاستفادة من التجارة المجتمعية. على سبيل المثال، باستخدام كل من المحتوى الذي تقوده العلامة التجارية والمحتوى الذي ينشئه صنّاع المحتوى، نجحت شركة «وجوه» الإقليمية المتخصّصة في بيع مستحضرات التجميل في جذب الوعي والاهتمام بشكل كبير خلال مبيعات يوم الجمعة الوردية، حيث كان المحتوى الذي يقدّمه صنّاع المحتوى أكثر فاعلية بخمس مرات من المحتوى الذي تقوده العلامة التجارية. وبالمثل، ضاعفت متاجر التجزئة الإقليمية الكبرى ل«سنتربوينت» معدلات التحويل ثلاث مرات خلال الأربعاء الأبيض من خلال استخدام هاشتاغ TikTokMadeMeBuyIt# لزيادة المبيعات في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. تشير بالتالي دراسات الحالة السابق ذكرها إلى أنّ التجارة المجتمعية تتمتّع بإمكانية هائلة في مساعدة العلامات التجارية على تحقيق نتائج ممتازة، وذلك بإشراك المستخدم من خلال مقاربة تولي الأهمية الكبرى للمجتمع عوضاً عن الفئات الديموغرافية، وتشدّد على الخبرة وتشجّع على المشاركة عوضاً عن الإقناع. فالمستخدم بحاجةٍ اليوم إلى أن يشعر بأنّه جزءٌ من المحادثة مع علاماته المفضّلة. وباختصار، إنّ العلامات التجارية التي تتفاعل باستمرار مع المستخدمين هي التي ستكسب ولاءهم. شادي قنديل.. المدير العام لحلول الأعمال العالمية في تيك توك لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا وباكستان