لليل هدوءٌ وسكينةٌ، تهدأ فيه الأنفس وتبحر، لتعوم بين الأماني والأحلام، من أدمن التأمل في دجاه وصل لأبعد نقطة فيه فتراه يستنير بقمره، ويعدُّ نجومه، ويسامر هواه، ويعانق أشواقه، فيه بوح الشعراء، وغرامٌ العاشقين.. فهذا امرؤ القيس يطول ليله منشداً: ألا أيُّها الليل الطويلُ ألا اِنجَلي بصبحٍ وما الإصباحُ منك بأمثلِ فمساكين عشاق الليل من أهل الغرام، ينادمهم الحب، ويهلكهم الهجر والوجد، يعتصرهم الحزن، فتطول ساعاتهم وتوجعهم خلوة من شريط الذكريات. إلا أن لليل عشاقاً آخرين، يتلذذون بنسائم السحر، مع حبيبٍ يأنسون بقربه، فهم يناجون المولى وقد قيل «أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل الهوى في لهوهم»، وهذا شاعرنا يردد: في أجمل الأحلام هم يتلذذون لكنهم هم يحرمون يحرمون من لذَّة الركعات في جوف السكون عن خلوةٍ قدسيةٍ هم نائمون هؤلاء انفردوا برب العطايا، فهم في تجارة رابحة، وخلوة نافعة حتى الإصباح يتلذذون بمناجاة الكريم الفتاح.. ومن أصدق ما قاله أبو العتاهية: إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل خلوتَ ولكن قل عليَّ رقيبُ ولا تحسبن الله يغفلُ ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب فطوبى لمن ترك الوسادة أنساً بربه، وكأنه يناجي محباً يضاهي هواه هوى المحبوب.. فاللهم أيقضنا من رقدة الغفلة قبل أن يحلّ الأجل.