شأني شأن المهتمين بالآثار، عادة ما أناقش المختصين حول النظرية الجيولوجية والانقلاب المناخي قبل آلاف السنين في جزيرة العرب، وعن الدلائل، إلى اكتشاف فنون الصخر في صحراء الشويمس بحائل، وخروج أكبر متحف طبيعي منه وعلى مستوى العالم كله، أصبحت النظرية بالنسبة لي الآن محققة، خاصة بعد توثيق رطوبة المنطقة من قشورها البيضاء والرواسب الملتصقة بالمياه، حيث يؤكد الباحثون أنها رواسب البحيرات العذبة القديمة التي كانت تطل على هذه الفنون الصخرية الهائلة المكتشفة قبل سنوات قليلة. رسومات محفورة تعود في تاريخها إلى أكثر من عشرة آلاف سنة، لنتخيل بثقة الآن أنه لولا ذلك المناخ البارد لما استخدم الأسلاف العرب كل تلك المطارق الحجرية في الهواء الطلق للتعبير عن رسوماتٍ هي اليوم لوحات على صخور جبلية وبمساحة شاسعة تتجاوز 50 كيلومتراً، كلها رسومات لممتلكات الأسلاف أغلبها صور لحيوانات تذهل البصر في دقتها وتصويرها، ومنذ مشاهدتي لها تأكدت أن عبقرية إنسان ذلك الوقت هي بمثابة عبقرية فنان هذا الوقت. بين سحر المكان فناً، ومساحته الشاسعة، والاطلاع على المشاهد المصورة بإتقان، وخاصة كلاب الصيد السلوقي التي فقط وصل عددها إلى 147 مشهداً صخرياً، و1400 أخرى للسلوقي كلوحة فنية صخرية، وهذا الاكتشاف يعد من أكبر المشاهد التصويرية للكلب في العالم، وهذا طبيعي في منطقة رعوية يحتاج الرعاة إلى مطاردة رعيهم فيها، ناهيك عن لوحات فنية صخرية للجمال والخيول العربية البرية والبقر الوحشي والوعول والغزلان، وخيول تجر عربة بعجلتين، إذن العجلات أقدم مما تصورنا... فمع الاكتشافات الجديدة تتغير سطور التاريخ من ثباتها وهو أمر علمي طبيعي. ما يهمني الإشارة إليه أن الكلاب السلوقية شبيهة تماماً حجماً وشكلاً لكلاب سلوقي اليوم، سواء هنا أو في نيويورك أو في مناطق العالم الأخرى، وكأنها تثبت حقيقة جذورها قبل الانقلاب المناخي منذ خروج البشر من جزيرة العرب إلى مختلف القارات، فليس هناك أقوى دليلاً من فنون الصخر المحفورة والثابتة، وهنا الكلب السلوقي هو الدليل الأول على وجوده بشكله المربع والسيقان القصيرة، والبطن الرشيق والذيل اللولبي، تماماً كالكلب الكنعاني برسوماته. بالطبع المكان يتجاوز في مشاهده من الحيوانات والكلاب السلوقية التي تطرقنا لها، إلى بصمات اليد المزروعة في الصخر وكأنها وثيقة لملكية الأرض، ورسومات لرقصات تشبه الرقصات الجماعية لتراث اليوم، ونعش الشعر لامرأة تناجي المطر، وسهام وطقوس عديدة، وتصبح صحراء الشويمس في حائل مكاناً يعزز وجوده ومركزيته، حتى باتجاه الجنوب حيث يقع الموقع التاريخي لحرب داحس والغبراء الشهيرة، وهناك المغارات التي ضمت بعضها الجماجم، والأهم كهف الشويمس في جنوب غربها هي من بين أطول ثلاثة كهوف في المملكة يصل طولها 530 متراً، وبعضها لها قيمتها التاريخية والأثرية، بجانب الفوهات البركانية... ولا يعني كل ذلك بأي حال سوى أن عيون العالم ظفرت فنوناً في صحراء الشويمس في أجمل اللوحات، وإن عدت إلى تسميتها الأصح قبل تصغيرها، تصبح صحراء الشمس التي خرجت منها الحضارة المبكرة وقبل أن تغطيها الرمال عنا مدة عشرة آلاف سنة.