نعيش في عالم ارتبط كثيراً بالتقنية، فأصبحت بدورها تمثل جزءاً أساسياً في الحياة لا يقل أهمية عن الماء والأكل، لقد أصبح المأكل والمشرب والتسوق والترفيه مرتبطاً بالتقنية ارتباطاً وثيقاً، حتى الجرائم والسرقات تحولت لتصبح تقنيةً عن طريق هواتفنا وعن طريقنا، ومن خلال ذلك أستطيع القول إن العالم أصبح افتراضياً وبيتاً واحداً، تنفتح كل حجراته وممراته على بعضها. وبسبب هذا كله، انتشرت في الآونة الأخيرة إحدى أخطر الظواهر التقنية الاجتماعية، ظاهرة تشبه الخدعة ولكنها ليست كذلك وتشبه الحيلة وليست بحيلة، وتتشبّه بالجريمة وليست بجريمة... إنها «الهندسة الاجتماعية». تعرف «الهندسة الاجتماعية» بأنها «طرق وسلوكيات تهدف إلى التغيير أو الإقناع في رأي أو فعل بشكل مباشر أو غير مباشر للوصول لهدف ما، وهو مصطلح يدل على الاحتيال واستهداف الأشخاص بهدف الحصول على المال أو معلومات شخصية مهمة». وهذا المجرم المؤدب أو المهندس الاجتماعي، ليس بتقني ولا حتى عالم اجتماع، بل هو شخص يستخدم خبثه وذكاءه في التلاعب بمشاعر الآخرين واستغلالهم خصوصاً كبار السن، فيقوم بطلب المال والعون أو الاختراق المباشر للأرقام والدخول للحسابات البنكية. وقد يستخدم أيضاً التسويق لسلعة مغشوشة أو غير موجوده، أو حتى إيهام الناس بالحصول على الثراء السريع وعمله لكل ما يبحثون عنه، إذ يقدم خدمات مغرية تدعو للثقة والتصديق وهذا هو نهج عمله. مع أن هذا الفعل يعدّ جريمة معلوماتيةً إلا أنه فعل مؤدب يلبس عباءة الثقة والمصداقية بطريقة احتيالية واحترافية تخدع احياناً حتى الحريص. إن قدرتنا على معرفة هذا الاصطياد والزوايا التي يداهمنا بها هذا المجرم المؤدب، تجعلني أنادي بكل كلمة وحرف مثلما تنادي كل أجهزتنا الأمنية، لا تمنحوا لهؤلاء فرصة التواصل معكم ولا تقوموا بالرد عليهم ولا تشاركوا معلوماتكم الشخصية مع أي أحد منهم، وحافظوا على سرية هواتفكم دائماً ولا تأخذكم العاطفة في التعامل معهم؛ فنحن من يقرر بقاءهم أو القضاء عليهم.. من خلال وعينا وإدراكنا أن العالم التقني قد يكون أكثر وحشية من عالمنا الواقعي!