أحد الموضوعات المهمة جداً التي وضعتُها لخطتي في الكتابة ضمن مشروع: (تأسيس علم الجهل لتحرير العقل)، إصدار كتاب أو أكثر لتقديم نماذج فارقة من التغيرات النوعية الكثيرة التي تختلف بها الحضارة المعاصرة عن كل الحضارات القديمة.. لقد لاحظت أن المهووسين في تمجيد التراث بشكل مطلق وخصوصاً المخدوعين بفكرة استعادة الخلافة على النحو الساذج الذي يروِّج له تنظيم الإخوان، أو تنظيم القاعدة، أو التنظيم الداعشي أو طالبان.. إنني أثناء مناقشاتي مع البعض من ذوي التعليم العالي تبين لي أنهم استجابوا لمثل هذا الترويج دون أية مراجعة تاريخية أو القيام بأية مقارنة وإنما هي استجابة عاطفية محضة.. إن أفقر وأضعف دولة معاصرة حاليا كدولة السودان تُقدِّم للناس من خدمات التعليم، والخدمات الصحية، والتوظيف، والرعاية الاجتماعية وخدمات الطرق، والبريد والاتصالات والخدمات البلدية، وما لا حصر له من الخدمات التي لم يكن لها وجود في دولة الخلافة.. كانت دولة الخلافة دولة جباية وغزو أما الدولة المعاصرة فهي دولة تنمية وتعليم وتوظيف ورعاية اجتماعية وما لا حصر له من الخدمات والتسهيلات والرعاية والتنمية.. إن المقارنة بين جفاف الماضي وخصوبة الحاضر لا تزال مغيبة ولا بد أن تنال من الاهتمام ما يتناسب مع ضخامة وعمق وفاعلية الأوهام التي تحتل العقول.