يعد ناسك القصة الراحل سعيد الكفراوى (1939 - 2020) أبرز جيل الستينيات في كتابة القصة العربية. وظل مهجوساً بالتجريب عبر ثيمة الموت بحكم علاقة الفقد المبكرة ورصد آثار القبور، وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية والسويدية والدنماركية. اهتم مبكراً بالأدب فأسس نادياً أدبياً في قصر ثقافة المحلة الكبرى، وتعرض للسجن عام 1970 بسبب قصة كتبها وقام بنشرها بمجلة سنابل، وأفُرج عنه فالتقى نجيب محفوظ بمقهى ريش، وقص عليه تجربته فى السجن ليدرجها في رواية «الكرنك»، التي تحولت لفيلم سينمائي وأدى دور الكفراوي الفنان نور الشريف. يرى الراحل أن القصة القصيرة تمثل صوتا يأتيه عبر الآماد البعيدة فيرعبه. وعدها نمطاً من أحسن الأنماط لكتابة تجربته. ويدين بالفضل لعالم القرية بكل تجلياته وأزمنته، بحكم أنه عالم مسكون بالخوف والقلق والفقر، وبداهة السؤال واليقين والمعرفة، ومحكوم بالطزاجة والعفوية والدهشة، وأكد أنه بقدر ما يستطيع يضيّق المساحة بين صوت الكاتب والشخصية، ويرى القصة القصيرة نبوءة أو حلما، ولو كانت مادتها الواقع الذي نحياه. ولعل القراء والنقاد تحروا طويلاً مجموعته الأخيرة (عشرون قمراً في حجر الغلام) إلا أنه غادر قبل أن ترى النور، لعشقه الأثير لرواية القصص شفاهة، يقصها في اللقاءات والفاعليات والجلسات الخاصة، وخلّدها في شوارع القاهرة وعواصم العالم ومقاهيها وحاناتها وقاعات ندواتها، ليستدعيها الرفاق بمجرد أن يرد اسم صاحبها، فيستعيدون ويتلون على بعضهم البعض، محاولين تقليد صوته وتقمص أدائه، المرتبط به سحر الحكايات. رحل الكفراوي في نوفمبر الماضي عن 81 عاماً، وكان يكشف للأصدقاء عن تحضيره المستمر لكتابات قصصية وروائية، عن أزمنة وصراعات وحيوات شخوص، لهم طرائقهم المتقلبة في التعامل مع الحياة، منها (حافة الخليج)، عن تجربة مدرس مصري مغترب يعمل في بلد عربي، و(بطرس الصياد). ترك الكفراوي حصيلة إبداعية متنوعة وخصبة في مجال القصة القصيرة، بلغت نحو 14 مجموعة قصصية، من أبرزها: «مدينة الموت الجميل»، «سترة العورة»، «سدرة المنتهى»، «مجرى العيون»، «دوائر من حنين»، «بيت للعابرين»، «كشك الموسيقى»، و«البغدادية»، و«يا قلب مين يشتريك». وبحسب النقاد يتميز بناؤه الفني بالحفر في دوائر الوعي واللاوعي، الإمكان واللا إمكان، بتنوعها وتجذرها الإنساني اللافت، كاشفاً المناطق المعتمة في النفس البشرية والمتناثرة في مراوحات الحنين والرغبة والحب والشغف بالحياة، المهددة بالموت بأشكال عدة. وتمتع الكفراوي بعلاقات صداقة وطيدة من المحبة والتقدير في الوسط الثقافي العربي، وكان يشارك في معظم الفعاليات الثقافية المهمة، لكن نشاطه تراجع في الفترة الأخيرة، إثر فقده زوجته ورفيقة عمره قبل ثلاثة أعوام. نال جائزة السلطان قابوس للقصة القصيرة، وأنتجت مؤسسة السينما العراقية فيلماً عن قصته «الفلاح والرئيس»، بعنوان «مطاوع وبهية».