اكتسبت القمة الخليجية ال41 أهميتها من طبيعة البيان الختامي الذي أكد وحدة الصف الخليجي ضد أية تهديدات لأمن واستقرار المنطقة، وبما يحقق تماسك دول مجلس التعاون فضلا عن الأحداث السياسية الإقليمية والدولية وتداعيات فوز الحزب الديمقراطي بالانتخابات الأمريكية وإعادة موضوع التعاطي الأمريكي بشكل مختلف عن الإدراة الحالية للملف الإيراني إلى الواجهة مجددا. فوز الرئيس بايدن بالانتخابات فتح الباب مجددا لتولي شخصيات سياسية أمريكية مؤيدة للاتفاق النووي الإيراني وتعتبره ضرورة أمريكية، الأمر الذي يعني أن الدول العربية ستدفع ثمن هذا الاتفاق مرة أخرى، وهنا تكمن أيضا أهمية وحدة الصف الخليجي ليكون الحصن الرادع لأي محاولات إيرانية لزعزعة الاستقرار، بل ترى معظم الشخصيات الأمريكية القيادية في إدارة بايدن من الضروري إيجاد حلول وسط مع إيران. هؤلاء المسؤولون، وهم سابقا ساهموا بالتوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، تغاضوا في سبيله عن الامتداد الإيراني العسكري في سورية واليمن، وتغاضوا عن تقديم إيران دعما أكبر للمليشيات في العراق وسورية. كما اعتبر هؤلاء المسؤولون أن دول الخليج تشجع على انتشار الطائفية في المنطقة، وتغاضوا عما قامت به إيران منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979 مع شعارها بتصدير الثورة لدول الجوار، وهذا ما يجري الآن بوضوح في اليمن، حيث لا يخفي الحوثيون أنهم يريدون نقل المعارك إلى دول الجوار ويريدون الاعتراف بنفوذهم في البحر الأحمر. و ما يتم طرحه الآن في المحادثات الداخلية ضمن قيادات الحزب الديمقراطي لا تختلف بالجوهر كثيرا عن سياستهم السابقة، بل هم يعتبرون أن كل من كان صديق الإدارة الجمهورية هو ليس صديقا لهم، ونسمع العديد من تصريحاتهم الحالية والبيانات الصادرة عن أعضاء الكونغرس التي تعكس هذه المواقف تجاه دول المنطقة، والتي في حال تنفيذها لن تؤدي إلا إلى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. من التطورات السياسية الأخرى، التفاهم التركي الروسي على توسيع نفوذهم في المنطقة. فالبيان الختامي للقاء وزير خارجية تركيا مع نظيره الروسي الأسبوع الماضي، أشار إلى ضرورة التعاون بين البلدين لحل الأزمة السورية والليبية وفق تصور يخدم مصلحة البلدين وهم يقومون بإرسال مقاتلين ليثبتوا وجودهم على الأرض، بغض النظر عما تشير إليه قرارات مجلس الأمن وعما تريده شعوب هذه الدول، والخطر الوجودي الذي تشعر به دول الجوار من التمدد الروسي والتركي، وهذا التمدد يهدف إلى محاصرة الدول العربية من الشرق والشمال والجنوب. من يرى هذه الوقائع السياسية، يرى أهمية القمة الخليجية ودور السعودية وتأثيرها على الصف العربي والخليجي على وجه التحديد، وضرورة حل الخلاف العربي بأسرع وقت، إذ أصبح هو ضرورة لنا جميعا. ومن هنا نتأمل أن تقوم القمة في الرياض باعتماد قرار يتضمّن أنه خلال الأسابيع القليلة القادمة من الضروري أن يضع المجلس بالتعاون مع الجامعة العربية تصورا واقعيا لثلاثة ملفات وجودية، ويعرض مجلس التعاون والجامعة رسميا على مجلس الأمن والأمم المتحدة والإدارة الأمريكية قبل أن تنتهي من تشكيل سياساتها تجاه المنطقة. القرار الأول: يتعلّق بالأزمات في سورية واليمن وليبيا وآلية تنفيذية للحل، وجدول زمني واضح وفق قرارات الجامعة العربية والأمم المتحدة وإظهار جدية في التعاطي مع المجتمع الدولي للضغط لحل هذه الأزمات بأسرع وقت ممكن. فالدول الكبرى تستفيد من هذه النزاعات لاستخدامها في تصفية حساباتها على حساب سكان ودول المنطقة ودون أي اعتبار لهم. القرار الثاني: للملف الإيراني بشقيه النووي والتدخل الإيراني الإقليمي. فترك الأمور على طريقة فهم الغرب للحل وفق أولوياته وفهمه للمنطقة لن يؤدي إلا إلى ما سبق وشاهدناه سابقا أثناء المفاوضات على الاتفاق النووي وبعد التوقيع عليه من غطاء غربي غير معلن لاحتلال إيراني للدول العربية، وهذا ما يسمونه بالغرب بالبراغماتية من وجهة نظرهم. أما القرار الثالث فهو الملف الفلسطيني الذي تؤكد المملكة العربية السعودية عبر تصريحات رسمية رفيعة أنه ما زال في الأولوية السعودية. هذه الملفات الثلاثة مع كل تعقيداتها لها آليات موجودة ومن ضمن قرارات دولية وإقليمية واضحة ومعتمدة ولكن تنقصها الجدية الدولية بالتنفيذ، والآن، ونظرا لخطورة ما يحاك ضد كل دول المنطقة فيجب وضع الأمور وفق أولوياتها الحقيقية، وهذا ما نتمنى أن يتحقق في القريب العاجل بعد هذه القمة المباركة. @Bassamva