أتأمل مؤخراً في صور وظهور الآخرين على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وأشاهد فرحة رجال ونساء قد بلغوا الأربعين والخمسين والستين من العمر بملامحهم المختبئة خلف فلاتر شاشات هذه المنصات.. أراقب ابتساماتهم الواثقة بعد خروجهم إلى الناس بلا خطوط قد خط عليها الزمن طريقه وتجعّد.. وأرى شبابا يتحدثون بثقة وقد صنعت منهم فلاتر مواقع التواصل الاجتماعي يوسف زمانهم! أتأمل كل ذلك التماهي بين الحقيقة والوهم! كيف لنا أن نلبس ثوب الوهم ونعيش به وكأنه الحقيقة؟! تقول لي إحداهن بأنها تحب شكل وجهها بفلتر السناب شات، وذهبت إلى طبيب التجميل ليحول وجهها الواقعي إلى ملامح وجهها الافتراضي، وبعد العملية خرجت بوجه ثالث بشع لا علاقة له بالواقعي ولا الافتراضي. الأمر بالنسبة لي مقلق جداً وأراه مشكلة من ناحيتين؛ بالنسبة إلى الأشخاص قد بلغوا من العمر الأربعينات وحتى الستينات سيكون الوضع معهم معقدا نفسيا وفكريا، لأنهم سيمضون بقية عمرهم في حالة إنكار للذات ورفض للواقع وعدم تقبل لمرحلته العمرية ومتغيراتها الطبيعية وربما توهم بأنه مازال ذلك المراهق الطائش، لنجد منصته كلها تصرفات صبيانية، وبالفعل نرى بعضاً من نساء الخمسين تطل علينا بالفلتر منبهرة من اختفاء تجاعيدها؛ مما يقودها ذلك إلى التصرف الصبياني بلاوعي منها.. وقيسوا ذلك على الرجال الذين يظهرون وقد عادوا بتصرفاتهم إلى عمر الخامسة عشر تحديدا! وبالنسبة لأبنائنا وبناتنا جيل المستقبل أخشى بأن هذه الفلاتر تسهم في صناعة جيل فاقد للثقة يرى بأنه غير مثير لإعجاب الآخرين، مهزوم يحمل صورة ذهنية ناقصة عن نفسه وليست كالتي يراها على شاشات منصاته الافتراضية وقد يصل به الأمر إلى الانكماش والانكفاء على نفسه، فيصبح أمام مفترق طريقين: طريق عيادات التجميل ويصبح جسده رهينة تجارب وهمية لا تمت إلى الحقيقة بصلة، والطريق الآخر عيادات أخصائيي النفسيين وتكون بذلك نفسه ضائعة منه بين هذا وذاك. كل ما أقوله ربما سنحتاج مستقبلا إلى عيادات ومراكز نفسية تُعيد ذواتنا إلينا.. نحتاج الثقة، فكما قال أرسطو: يجب أن تثق بنفسك، وإذا لم تثق بنفسك، فمن ذا الذي سيثق بك؟ كاتبة سعودية monaotib@ [email protected]