الأعمال التطوعية سمة المجتمعات الحيوية، لدورها في تفعيل طاقات المجتمع، وإثراء الوطن بمنجزات أبنائه وسواعدهم. وما يحثنا عليه ديننا الحنيف والنخوة العربية المتأصلة في أبناء هذا الوطن المبارك في جميع الحالات والأحوال لكنه في وقت النوائب يصبح حقاً للوطن علينا. وإدراكاً من المملكة لأهمية التطوع والأعمال التطوعية في أوقات الكوارث، فقد أصدرت منذ أكثر من عشرين عاما لائحة المتطوعين لأعمال الدفاع المدني لتنظيم أعمالهم وتوفر بيئة آمنة تخدم وتنظم العلاقة بين كافة الجهات وإكسابها الغطاء القانوني لتعمل بشكل مؤسساتي وبموجب أنظمة وتعليمات تحكمها وإخراجها من رداء الفزعة والتي يهب كل من يشاهد حالة أو يتعرض لحادثة أو يصادف موقفاً بالتفاعل معه وقد يؤذي نفسه والآخرين أو يزيد الأمر سوءاً وذلك بموجب قرار سمو وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني رقم (12/ 2/ و/ 1/ دف) وتاريخ 15/1/1422ه ولكن يبدو أنها لم تفعل بالشكل السليم (تشرف عليها شعبه من قسم مرتبط بإحدى الإدارات تنظيميا) فلم نلاحظ لهم دورا إلا بعض الفرق التطوعية وأغلبها إنقاذ إن لم تكن كلها تعمل تحت مظلة الدفاع المدني ويقومون بأدوار يشكرون عليها، ولكن في أوقات الكوارث وفي هذه الجائحة لم نلمس لهم أي دور في ما يخص المتطوعين في المجالات الأخرى. كما أن اللائحة بحاجة لإعادة نظر في العديد من موادها لتتلاءم مع المستجدات الحالية فبنظرة سريعة عليها فهي تحتاج للكثير من الجهود لتؤدي الأدوار والآمال المعلقة عليها والمهام المناطة بها وتحقق الأهداف المرجوة منها، حيث إنها وبحكم تبعيتها للدفاع المدني في ذلك الوقت فقد أعدت اللائحة من منظور الدفاع المدني ومهامه وأعماله وأغفل بقية الجوانب فلم تميز في الاشتراطات بين الأعمال الاستشارية والإدارية والفنية والتخصصية والأخرى الميدانية وكذلك أعمال الإنقاذ، فالتطوع وقت الكوارث شامل حسب الحاجة وما يتوفر لدى المتطوع من مهارات وخبرات. ولتحقيق رؤية المملكة 2030 صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 87 وتاريخ 7/2/1440ه بموافقته على إنشاء (مجلس المخاطر الوطنية) وتضمن القرار أيضا إلغاء مجلس الدفاع المدني، المنصوص عليه في نظام الدفاع المدني، وتعديلاته، وقيام وزارة الداخلية بالتنسيق مع وحدة المخاطر الوطنية، لإعادة النظر في نظام الدفاع المدني في ضوء إنشاء مجلس المخاطر الوطنية. كما أن مبادرة الدعوة للتطوع شابها التخبط والخلط بين التطوع لخدمة المجتمع في الأوقات الطبيعية، فما نحتاجه الآن التطوع أثناء الكوارث ومن عدة جهات مختلفة وكل بطريقته؛ وزارة الصحة في بداية الكارثة من فتح رابط لاستقبال طلبات المتطوعين وكذلك على رقم وزارة الصحة 937، أمر جيد جاء متأخراً جدا ويشوبه بعض القصور لضيق الوقت وانشغال المسؤولين بمهام قد تكون أكثر أهمية في الوقت الذي تعرض عليهم هذه الملفات، فالتوقيت غير مناسب لأن أي إجراء غير صد المخاطر أو الحد من آثارها أثناء الكوارث سيشوبه الخلل والقصور. من الطبيعي أن تكون الفئة المستهدفة في هذه الجائحة هم الكوادر الطبية والمعلومات المطلوبة من المفترض توفرها لدى الوزارة، كل ما يتطلبه الأمر تحديث لها من خلال مديريات الشؤون الصحية المنتشرة في كل منطقة من مناطق المملكة ترتبط بها إدارات في كل محافظة ومدينة أو مراكز صحية في القرى والهجر وكل ذلك مربوط إلكترونياً بضغطة زر. كما قامت وللأسف بعض المواقع الإلكترونية، دون أي إشراف أو تفويض رسمي، بنشر قوائم بأسماء أطباء في تخصصات مختلفة متطوعين لتقديم الاستشارات عن بعد وحسب اختيارهم للأوقات، فقد تكون قصيرة أو فترات غير مناسبة، والأدهى إن لم يرد وإن أجاب فبعد مدة طويلة هذا عمل ارتجالي ولا يخلو من تسويق تجاري بطريقة أو أخرى. ما زلت أتساءل أين وحدة المخاطر الوطنية أو مجلس الدفاع المدني الملغى إذا كان لا يزال يمارس هذه الأدوار. فللمتطوعين أدوار مهمة في أوقات الكوارث المختلفة ووجود قاعدة بيانات لهم من البديهيات المسلم بها والواجب تحديثها باستمرار فالكثير من الشباب السعودي وممن هم فوق سن الشباب مسجلون في قوائم بعض المنظمات الدولية المتخصصة كمتطوعين في زمن الكوارث للمساهمة في الأعمال التي تتطلب وجودهم وتتناسب مع مهاراتهم وخبراتهم وفي أي مكان في العالم، فما متطلباتهم لنلمس جهودهم محلياً؟ أصبحت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنشاء هيئة وطنية للعمل التطوعي ترتبط بأمانة مجلس المخاطر الوطنية وتكون لها المرونة الكافية للعمل بعيداً عن تعقيدات روتين العمل الحكومي. خبير و متخصص إدارة الكوارث والأزمات drqahtani1@