ظلت وزارة الصحة السعودية منذ اليوم الأول لأزمة كورونا المستجد (كوفيد 19) تبث جرعات تفاؤل تفوق أي جرعة كان يمكن أن يتداولها العالم بأسره، ولم يكن ذلك التفاؤل مجرد تغريد خارج السرب، بل اتكأت على العديد من المعطيات، في مقدمته الدعم الكامل لها من القيادة، وتوفير كافة المعينات لمواجهة الخطر القادم، وثانيها احتفاظها بقوة وبشجاعة طاقم طبي وكادر تمريضي يعرف كيف يبدأ ولا يخاف الموت، مستعينا بعد الله بتقدير كافة الجهات لدوره في مواجهة ذلك الفايروس الشرس. ومع مضي الأيام ظل التفاؤل الذي تبثه «الصحة» عبر كافة الوسائط الإعلامية مستقويا بوعي شعب يمثل الأغلبية يقدر ما تقوم به الصحة، بل يعترف بقدرتها على المواجهة، وشفافيتها التي لن يجرؤ أحد أن يشكك فيها منذ البداية، لذا كان وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة، وذراعه الأيمن مساعده الدكتور محمد العبدالعالي، يمثلان النبض الحساس في عكس واقع حال كورونا في السعودية، والجواد الرابح الذي يمكن المراهنة عليه، في إعلائهما شعار «الحفاظ على الصحة»، في الأولوية، تنفيذا للتوجيهات العليا، التي وضعت النقاط على الحروف منذ اليوم الأول للأزمة، بأن الصحة يجب أن تشمل الجميع بلا تفرقة ولا تمييز، وأن الخدمات مجانية للكل. واليوم بعد مرور 100 يوم على أول إصابة كورونا في السعودية (2 مارس الماضي الموافق 7 رجب)، وتخطى رقم الإصابات بالفايروس حد ال 125 ألف إصابة، وكاد الرقم النشط أن يصل إلى 40 ألفا، وأوشكت الحالات الحرجة أن تصل إلى 2000 حالة، رأت «الصحة» أنه يجب أن تنافس كل شركات الاتصالات في العالم، المعروف عنها بأنها الأمهر في ترويج الأرقام التي لديها، والأسرع في توصيل رسالتها، من خلال أرقام هاتفية، وأرقام سرعات إنترنتية، وسعات هوائية ولاسلكية. كيف لا تنافس و«الصحة» هي الأولى في ترجمة الأرقام إلى واقع ليس افتراضيا، بل معايشا، يلامس صحة الإنسان، لتتعامل هذه المرة مع الأرقام، والتي لطالما تغنى بها البعض بالتحالف مع «شركات الاتصالات»، وتوشح بها وارتداها «كشخة» في المحافل الخاصة والعامة. لكن «الصحة» دعت الجميع هذه المرة للتعامل مع أرقامها الخاصة بها، فحجبت للمرة الأولى الإحصاءات التي لطالما انتظرها الجميع، لتحديد أعداد الإصابات والموتى والمتعافين، ودعت الجميع بلا فرز أو تمييز أن يختار ما بين أرقام تميز (هي كالنجوم يراها القريب والبعيد) في شراكة الحياة معها، وما بين أرقام اعتيادية (لا تتشابه حوافها وربما تتقاطع ندباتها) في البقاء على هامش الحياة، وما بين أرقام لنفر لا يعرف أين مبتغاه. «الصحة» عنونت حملتها الجديدة بعنوان «لا تكن الرقم التالي»، كمرحلة ليست في إطار تثقيف المجتمع وتوعيته بماهية كورونا ولا كيفية الوقاية منها (لأنها الملاذ في ظل غياب العلاج)، بل في إطار اختيار المسار، إما الانضمام لأرقام التميز فيضعون على جباههم ورؤسهم تاج الصحة، وهو الأغلى، وإما الارتهان لأرقام تالية، حتما سيتردد صداها وقت ما عندما يتم الإعلان عنها، ولكن سيمضي العداد، ويكونون ذكرى أو مجرد أرقام، فهل اشترينا من متاجر «الصحة» ما عجزت عنه قدراتنا في شرائه من متاجر «الاتصالات».