الحضارة الإنسانية -من اسمها- لم تعد حكراً على أحد. فالعمران العصري والتقنية التكنولوجية والإمكانات العلمية، إضافة إلى العلوم الطبيعية والمادية.. كلها متاحة للجميع ويمتلكها الجميع وتتبناها كل شعوب العالم. لم تعد هناك فوارق كبيرة بينهم. الفوارق أصبحت في مستوى المدنية.. فالحضارة يمكن أن تتطور بعيداً عن المدنية وترتقي وتزدهر.. ولكن ذلك لا يعني مطلقاً أن المدنية ستأتي كثمرة لها وإن طال باعها وامتد زمانها.. ما يصنع المدنية هو (الأخلاق).. وهي ما يميز شعباً عن آخر وثقافة عن أخرى.. والأخلاق -رغم هرطقات الملاحدة- منبعها الدين؛ أي أنها توجيهات السماء. الثقافة الغربية كانت تدعي أنها ثقافة نخبوية.. تتعالى حضارياً وأخلاقياً واجتماعياً على بقية الثقافات بل وتحاول بالقوة الصلبة والقوة الناعمة أن تفرض هيمنتها عليها وتستحوذ على لبّها لتصبح هي مصدرها في القيم والمبادئ وحقوق الإنسان، واستحكمت وأغوت الكثيرين.. حتى وصلت بعض المجتمعات إلى مرحلة الانتحار الثقافي؛ أي التخلي عن الثقافة المحلية والاندماج في الثقافة الغربية. الآن، خلال الجائحة، نفس تلك الثقافة الغربية تتنافس هي وشركاتها للوصول إلى لقاح لتخضعه لقوانين السوق وتجني من ورائه المكاسب والأرباح.. ليس من أجل إنقاذ من يواجهون الألم والموت من البشر.. بل للمتاجرة في حياة البشر. تلك نظرة سوداوية بشعة للإنسانية.. وسقطة عالية من الثقافة الكونية التي كانوا ينادون بها إلى الثقافة الشعبوية التي تبرر تدهور الإنسانية. في الولاياتالمتحدة -على لسان الكادر الطبي الأمريكي- أنظمة الرعاية الصحية (لا تقوم على مبدأ مساعدة الناس ومعالجتهم وتخفيف آلامهم.. بل على تحقيق الربح في المقام الأول). رغم أن الأزمة العالمية الحالية صنعت ملايين من (الفقراء الجدد) وسيكون معظمهم من الدول الغربية، إلا أن الربح يظل هو الهدف الأول.. وربما الوحيد. هذا هو قفا الرأسمالية البغيض حينما يخلو من الأخلاق. من يتمسك بدينه هو من يتميز على مستوى العالم.. وهو من يبني مدنية وحضارة وثقافة بشكل صحيح ويكسب كل دنياه ولا يخسر آخرته. * كاتب سعودي [email protected]