في لحظات الهدوء والتوازن و(الوفرة).. الجميع يتمتع بالأخلاق الحسنة والسمات الراقية والدرجة العالية من النبل والكرم والشهامة. ولكن، في أوقات الأزمات وتخلخل التوازن و(الندرة).. تظهر خفايا النفس البشرية ويظهر جوهر طبيعتها ومعدنها الحقيقي. سنوات كثيرة من الحضارة الغربية والتطور التكنولوجي والفلسفة الأخلاقية تساقطت أمام هذه الجائحة الإنسانية الكبرى.. انكشفت ولم تصمد خلال الأوقات الصعبة سوى بضعة أسابيع وعدة أيام.. ثم تحولت البوصلة الأخلاقية.. وبدأ استغلال التطور والأنظمة والقوانين واستخدامهم لتبرير أي عمل قد يخالف (المدنية). تساقطت الأقنعة المزيفة أمام صراع البقاء. خلال الأسبوعين الماضيين، مارست دول غربية عمليات قرصنة بحرية -بكل ما تحمله وتعنيه كلمة (قرصنة).. وليس استعارة- لتخطف سفنا تجارية محملة بمستلزمات طبيعة وقائية كانت متجهة إلى دول في شمال أفريقيا. حتى على مستوى الأفراد كانت سلوكيات الانفلات القيمي هي القاعدة. فحسب قوانين الصراع، كلما زادت الحاجة للبقاء، تضاءلت الاختيارات الأخلاقية.. لتصل للخيار الوحيد؛ وهو البقاء ولو على حساب كل القيم والمبادئ. يصبح البقاء للأقوى فقط هو المفهوم الذي يسكن فكر الإنسان. الصراع من أجل البقاء في الغرب جاء على حساب مفهوم الشفقة والرحمة والتسامح.. وكل القيم والمبادئ التي كان ينادي بها ويحاسب الآخرين ويوبخهم على أقل تقصير في أدائها. خلال الأزمة وضع كل تلك القيم تحت قدميه ليرفع رأسه فوق الماء. في أشد حالات الذعر والخوف والانفلات القيمي العالمي، ظهرت الدول الإسلامية -وعلى رأسها المملكة العربية السعودية- بجوهرها الحضاري الذي رباه الدين في عمقها الثقافي والاجتماعي والسياسي.. ظهرت أنها المنبر الحقيقي لحقوق الإنسان حتى وهي في أصعب حالاتها.. حين يشتد الخناق.. وتطبق الدنيا فكيها.. وتضغط.. تظل هي محافظة على قيمة الإنسان وكرامته التي كرمه الخالق سبحانه وتعالى بها.. وعلى الوصايا الإنسانية التي أوصى بها الحكيم جل جلاله. في مثل هذه الأزمات والأوقات الصعبة على كل العالم، تظهر التربية المحمدية في السلوك الحضاري للمسلمين. بعد انتهاء الأزمة سيكون أرشيف التاريخ محملا بالمواقف المخجلة التي سقطت فيها كثير من الدول والثقافات العالمية التي كانت تنادي بالحقوق والقيم والأخلاق. وسيكون التاريخ أيضا شاهدا على رقي الإنسان المسلم وتعاليم التربية المحمدية. * كاتب سعودي [email protected]