تعتبر الأزمات محكاً لكشف معادن الناس، نميز من خلالها الجيد من الخبيث، ونفرز الصالح من الطالح، أما خلال الآونة الأخيرة عقب تفشي فايروس كورونا فقد أصبحت هذه الأزمة هي المحك الواقعي الذي يكشف مدى تمتع قيادات الدول وشعوبها بالقدرة على إدارة الأزمات، وبتفاقم تلك الأزمة سقطت الكثير من الأقنعة عن وجه العالم الغربي، الذي طالما تغنى بقدراته وديمقراطيته واحترامه حقوق الإنسان، ولأن كل ذلك لم يتم اختباره على أرض الواقع من قبل، فلم يتمكن أحد من التيقن منه أو التأكد من مدى صحته، ولكن مع تحول أزمة فايروس كورونا لوباء مميت، بدأت نتائج الاختبار في الظهور صادمة ومدوية. لقد ظهر للعالم أجمع عقب التزايد المستمر في أعداد المصابين والوفيات تداعي منظومة الديمقراطية ونظرية القدرات الخارقة لبعض الدول الغربية، وهو ما اتضح من خلال تهاوي العديد من المنظومات الإدارية في الغرب، ولعل أولها منظومة التخطيط، ففي مخيلة العديد منا استقرت صورة الدول الغربية كرمز براق لحسن إدارة الموارد والتخطيط والمتابعة، غير أن ما شاهدناه من انهيار لتلك المنظومة في الكثير من دول أوروبا -التي يبدو بوضوح إصابتها بصدمة أعجزتها عن التعامل معها بشكل سليم- برهن بما لا يدع مجالاً للشك فشل منظومة التخطيط الخاصة بها، وأجبرها على طلب المساعدة والاستنجاد بالدول الخارجية (كما فعلت إيطاليا). أصيب العالم بالصدمة مما تم نشره كتدابير لبعض الدول الغربية لمواجهة فايروس كورونا، ولعل ما قيل بشأن احتمالية توجيه الاهتمام لمعالجة الشباب وصغار السن فقط والتوقف عن معالجة كبار السن (لعدم قدرة المنظومة الصحية على استيعاب جميع المصابين بالفايروس) عبّر عن الوجه القبيح والقاسي لتلك الدول التي لم تتوقف يوماً عن تشدقها بحماية حقوق الإنسان. البعض من هذه الدول -التي نصّبت نفسها حامية حقوق الإنسان في العالم- لم تترك مناسبة إلا وشنت هجومها على المملكة، مدفوعة بمجموعة من الحجج الواهية والدعاوى الهشة، وتدور الأيام وتتفاقم الأزمات لتبرهن المملكة أمام العالم أجمع حسن تخطيطها وقدرتها على إدارة الأزمات بحكمة وحرص ونظرة ثاقبة، ولتتمكن منظومتها الإدارية من إثبات صلابة ملموسة وحسم في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان. لقد تجلى ناصعاً الوجه الحقيقي للمملكة في ما يتعلق باحترامها الحقيقي والعميق لحقوق الإنسان، والدليل على ذلك هو الحرص الشديد للقيادة على حماية أرواح جميع المواطنين والمقيمين دون أدنى تمييز، وهو ما اتضح في حزمة القرارات الاحترازية التي اتخذتها المملكة -واعتُبرت من أوائل الدول التي أنجزت ذلك- لمنع تجمعات المواطنين من أجل منع انتشار الفايروس، ويعلم الجميع أن الكثير من الحالات المصابة بالفايروس التي أعلنتها وزارة الصحة خاصة بمصابين قدموا من خارج المملكة، وتم حجرهم صحياً لحين إتمام شفائهم، ولم يقتصر اهتمام الدولة على حماية صحة المواطنين على أراضيها فحسب، بل شمل اهتمامها كل مواطن موجود خارج المملكة. هذه الأزمة عكست العلاقة القوية بين القيادة والمواطنين، كما أنها عكست ثقة المواطن واقتناعه بالالتزام بكافة التعليمات التي تصدرها الجهات المختصة، وهو ما اتضح جلياً على أرض الواقع منذ بدء تنفيذ منع التجول الجزئي، فخلال ذلك المنع الذي يستهدف الحد من انتشار المرض بقدر المستطاع، لم تتوقف الدولة عن توفير كافة احتياجات المواطنين من مستلزمات الغذاء ومستلزمات الرعاية الصحية، وهو ما تمت ترجمته على الفور لعدة نتائج، لعل أهمها هو عدم إصابة المواطن بالرعب كما يشعر به مواطن العالم الغربي، فلم نشاهد التزاحم على السلع الغذائية والتهافت على مراكمتها كما حدث في بعض الدول الغربية. إضافة إلى ما سبق فإن المنظومة التعليمية لا تزال مستمرة في تأدية دورها متجاوزة كل العقبات، والمنظومة الصحية حققت ما عجزت عنه الكثير من دول العالم في الشرق والغرب، فلم تُسجل إلا ثلاث حالات وفاة «حتى كتابة هذه السطور»، وهي الأمور التي عكست جميعها حالة من الاتساق والثقة بين القيادة والمواطن، أثبت الزمن قوتها وصلابتها. * كاتب سعودي Prof_Mufti@ [email protected]