يعتبر منتدى الرياض الاقتصادي علامة فارقة وسط المؤتمرات الاقتصادية في المملكة، ومن أهم ما يميز المؤتمر هو المواضيع الهامة التي تطرح للنقاش والحوار، وهو أول من دق جرس محاربة الفساد في أوائل دوراته وكان لتوصياته دور كبير في العديد من القرارات والإجراءات التي صدرت لمحاربة الفساد. وفي دورته الأخيرة التي عقدت الأسبوع الماضي طرح المنتدى أحد أهم المواضيع الاقتصادية وهي الإصلاحات الاقتصادية وأثرها على برامج التنمية، وكانت الدراسة التي قدمها الدكتور القدير محمد آل عباس وشارك فيها لمناقشتها مجموعة من الخبراء المختصين، وكانت من أهم النقاط التي شددت عليها الدراسة هي ضرورة مراجعة سبل تقليل العجز في الميزانية بالاعتماد على مدخرات حقيقية في التمويل وتخفيف اللجوء إلى الاقتراض العام الداخلي خوفا من منافسة القطاع الخاص في الاقتراض والتوجه إلى الاقتراض الخارجي وعلى وجه الخصوص القروض قصيرة الأجل، وتطرقت الدراسة إلى أهمية دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وضرورة تحسين بيئة الاستثمار الخاص ورفع مستويات التشغيل، وأكدت الدراسة على أهمية مراجعة القرارات الخاصة بالمقابل المادي على الوافدين والمرافقين ورسوم الخدمات المحلية والتأشيرات لتأثيرها السالب في بيئة الأعمال وأداء المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وعلى وجه الخصوص المقابل المادي على العمالة الوافدة وكذلك طالبت الدراسة بأهمية مراجعة رسوم الخدمات البلدية مع مراعاة عدم المغالاة في معدلاتها وتفادي العشوائية في إصدارها، وطالبت الدراسة بضرورة الحد من المنافسة غير العادلة من خلال الرقابة الصارمة ووضع الجزاءات الرادعة لعمليات التستر التجاري من خلال ضبط وإحكام الرقابة على المنافذ الجمركية لمنع استيراد السلع المغشوشة وغير المطابقة للمواصفات، وإتاحة التمويل الميسر من صناديق التنمية المتخصصة ومن البنوك التجارية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفي وجهة نظري أن هذه الدراسة الخاصة بأثر الإصلاحات الاقتصادية على التنمية هي أهم دراسة طرحت في مؤتمر الرياض الاقتصادي الأخير لأنها شخّصت الإيجابيات والسلبيات في قرارات الإصلاح الاقتصادي وركّزت على أهم السلبيات وهي أثر الرسوم المتزايدة على نمو القطاع الخاص وعلى وجه الخصوص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأتمنى أن يتبنى مؤتمر الرياض الاقتصادي هذه التوصيات لأنها في وجهة نظري جدا مهمة، وفي الحقيقة إن الاجتهاد في فرض الرسوم على العمالة ومرافقيها لم يحالفه التوفيق وإن الأثر السلبي أكبر من قيمة الرسوم، والأثر السلبي على حركة الأسواق والخدمات والمؤسسات التعليمية والصحية والنمو العمراني وغيره كان سلبيا لدرجة كبيرة. ومن أهم المواضيع كذلك التي نوقشت في منتدى الرياض الاقتصادي هو موضوع الهجرة العكسية حيث قدمت دراسة بعنوان «دور التنمية المتوازنة في تشجيع الهجرة العكسية وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة في مناطق المملكة»، لتشمل التنمية المدن الصغيرة مع ضرورة توزيع الخدمات على جميع المناطق دون استثناء لتحويل الهجرة إلى هجرة معاكسة، حيث أوضحت الدراسة أن هناك ازديادا في نسبة سكان المناطق الرئيسية في المملكة مثل مدينة الرياض ومنطقة مكةالمكرمة والمنطقة الشرقية إلى حوالى 66.6% من مجموع سكان المملكة وهذا نتيجة هجرة سكان الريف إلى هذه المناطق مما يدل على وجود اختلاف في سياسات التنمية المتوازنة في بعض المناطق، وأوصت الدراسة على ضرورة تعزيز التنمية في القرى والمدن الصغيرة وتكثيف الاهتمام بالصناعة بتأسيس المشاريع الانتاجية وتوفير الطاقة ووسائل النقل لهذه المناطق، وزيادة الدعم للقطاع الصحي. وفي قطاع التعليم شددت الدراسة على تفعيل دور الجامعات في المشاريع البحثية لتتناول قضايا تنموية تسهم في عمليات دفع عجلة التنمية لهذه المناطق. كما شجعت الدراسة على تطوير مجال العقار وتقديم التمويل اللازم لإنشاء مشاريع الإسكان بأسعار معقولة، والترويج للفرص الاستثمارية في هذه المناطق لتشجيع المستثمرين للاستثمار فيها، والعمل على تأمين جميع متطلبات الحياة للمواطنين بما يتناسب ويتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030. * كاتب اقتصادي سعودي [email protected]