منذ النصف الأخير من الألفية الماضية وحتى وقتنا الحاضر، اقترن الحديث عن الأخلاق والفضيلة -في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية- بالفكرين الديني والتقليدي فقط. وارتبط الحديث عن الحضارة والحداثة بفكر الحرية والخروج عن ثقافة الأخلاق والفضيلة. معضلة صنعتها الأيدي المحلية واشترك في إعدادها طرفان نقيضان؛ الأول: الداعي للتمسك بالحاضر وإحياء الماضي.. والثاني: الذي يبشر بالمستقبل وينادي بالحداثة، كلاهما ربط الفضيلة بالتقليدي والديني.. وربط الانفتاح وما يتبعه من تقدم وحضارة بالبعد عنها - أي الفضيلة. وفي المحصلة، انسلخت ثقافة الأخلاق من مفهوم الانفتاح والحداثة والحضارة بشكل عام. لفترات طويلة، كانت كلمة (الانفتاح) تصنف ضمن الكلمات الشيطانية التي يتم التعوذ بعد ذكرها مباشرة. وفي المقابل أيضا، تم تقديم الموروث القيمي على أنه عدو للرغبة الإنسانية المقبلة على الحياة، وقيد حديدي للحرية الفردية، وحاجب قوي يحظر على الروح كل متعة. ربما يرى البعض أن ميزة الحياة الحضارية هي القدرة على تحقيق الرغبات بحرية؛ أي الخروج التام على الضوابط الأخلاقية، ويرى أيضا أن الحضارة والنهضة محصلتان نهائيتان للتحرر من الأخلاق. ولكن على الجانب الآخر، يرى المناهضون للتطور ومن نفس العدسة أن الحضارة الحديثة/ الغربية موازية للسقوط الأخلاقي والتردي القيمي المنتهك للفضيلة. وأن الحضارة الغربية تعاني أشد المعاناة من تردي الأخلاق والقيم والفضائل.. مع الإشارة إلى اقتراب نهاية تلك الحضارة بسبب تفسخها. كلا الطرفين يرسخ في ذهنية أفراد المجتمع: بأن الفضيلة عائق أمام الحضارة والتطور والمدنية، ويربط مفهوم الانفتاح بانعدام الأخلاق. الانفتاح ليس له علاقة مطلقا بالمجاهرة السافرة بالمحرمات أو التمرد على الفضيلة. فالتقدم أسمى من أن يمشي على جثث القيم الإنسانية الراقية.. وأسمى من التمرد العلني على الفضيلة باسم الحداثة والتقدم والحضارة. وفي الناحية المقابلة، ليس المطلوب حمل تركة أو وراثة تقاليد.. ولا إحياء قيم ماضية.. بل توثيق الصلة بين الحضارة والانفتاح من جانب.. وبين قيم الفضيلة الإنسانية بمفهومها الحديث من جانب آخر. التطور الحضاري لا يمكن أن يكون عدوا للتطور الأخلاقي لا في الحاضر ولا في المستقبل.. بل هو رفيق دربه.. متى سقط أحدهما، أسرع الآخر لإنهاضه ليواكب المعية. * كاتب سعودي [email protected]