خلّف العام 2018 تركة ثقيلة عربياً وإقليمياً للعام الجديد بعد أن ودعنا بالأمس بكل ما حمله من أحزان وأتراح، وما خلفه من أحداث تخللها اضطرابات وسلسلة ممتدة من العمليات الإرهابية التي شهدها العالم خلال العام الماضي، وظلت البؤر الساخنة والصراعات المشتعلة في العالم العربي على حالها مع بارقة أمل في العام الجديد في أن تبرد قليلاً في بعض الدول، وأبرزها سورية والعراق وفلسطين واليمن وليبيا ولبنان وتونس، والتي تشهد تطورات ممتدة منذ اندلاع فوضى ما سمي ب«ثورات الربيع» في 2011، فيما يشكل التدخل الأجنبي وتدويل الأزمات قاسماً مشتركاً بين جميع البؤر المشتعلة في الوطن العربي، سواء من خلال استمرار انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، أو العدوان التركي على الشمال السوري، والتدخل القطري التركي المشبوه في ليبيا، والتدخلات الإيرانية السافرة في شؤون الدول العربية وتأجيج الصراعات الدامية في البؤر المشتعلة من خلال دعم وتمويل المليشيات الطائفية. مصر.. فوز السيسي وشهادة مبارك شهدت مصر خلال العام 2108 أحداثا سياسية عدة. وكان الحدث الأبرز في العام 2018 هو فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثانية، حيث أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في 2 أبريل الماضي فوز السيسي في الانتخابات التي جرت في مارس بنسبة 97%. وفي 14 يونيو من العام 2108 شهدت مصر تعديلاً حكومياً كبيراً، حيث تم تكليف وزير الإسكان في الحكومة السابقة الدكتور مصطفى مدبولي برئاسة المهندس شريف إسماعيل بتشكيل الحكومة الجديدة، وكان أبرز التعديلات فيها خروج وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي وتعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية، ووزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار وتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون مكافحة الإرهاب. وفي فبراير من العام المنصرم شهدت مصر إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي انطلاق العملية العسكرية الشاملة «سيناء 2018» لدحر الإرهاب والإرهابيين وتحرير سيناء من قبضة الإرهاب، وأسفرت العملية عن مقتل المئات من الإرهابيين وتدمير أوكارهم ومخازن أسلحتهم وذخائرهم. وشهدت مصر خلال 2018 شهادة الرئيس الأسبق حسني مبارك ضد الرئيس المعزول محمد مرسي في أول مواجهة بينهما في قضيتي اقتحام الحدود الشرقية والسجون. عراق 2018.. دحر «داعش».. وحكومة لم تكتمل يعد 2018 عام التحولات الكبرى في العراق سياسيا وعسكريا وطائفيا، إذ إنه شهد أسوأ الأزمات وسط تحولات كبيرة للمحاصصة الطائفية وتحالفات غير متوقعة بين السنة والشيعة ظهرت في أعقاب الانتخابات العامة، لكن الحدث الأبرز تمثل في دحر تنظيم «داعش» وتحرير المناطق التي كان يسيطر عليها. وشهدت بدايات العام الذي غربت شمسه حربا واسعة أعلنها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على الفساد تزامنت مع إصدار السلطات العراقية قراراً بمصادرة أموال الرئيس الراحل صدام حسين، ونحو 4 آلاف من أقاربه وأركان نظامه وضباط الجيش. وجرت خلال العام أول انتخابات برلمانية في العراق بعد هزيمة «داعش» لتظهر النتائج مفاجأة تفوق تحالف «سائرون» المدعوم من التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر، يليه تحالف الفتح «الجناح السياسي لمليشيا الحشد الشعبي» ثم تحالف «النصر» بقيادة حيدر العبادي. وقد شاب النتائجَ كثير من الجدل والاتهامات بالتزوير تسبّبت في إلغاء نتائج أكثر من ألف مركز انتخابي وتجميد عمل مفوضية الانتخابات. وشهد العراق خلال الصيف انطلاق شرارة موجة احتجاجات شعبية مطالبة بالخدمات ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، بدأت في البصرةجنوبالعراق وامتدت لتشمل محافظات أخرى من بينها العاصمة بغداد. وتصاعدت حدة احتجاجات البصرة بعد قيام متظاهرين بإحراق القنصلية الإيرانية في المحافظة مع مقرات حكومية أخرى تعرض بعدها ناشطو المظاهرات لحملة اغتيالات واعتقالات منظمة تسببت في تراجع مستوى الاحتجاجات في مختلف المناطق. وشهد أيضا عام 2018 انتخاب رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ونائبيه، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن مرشحي رئاستي الجمهورية والوزراء فيما اختير برهم صالح لرئاسة الجمهورية وعادل عبدالمهدي لرئاسة الحكومة. إلا أن الحكومة الجديدة برئاسة عبدالمهدي لم تنجح حتى الآن رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر في إقناع القوى السياسية بالتوافق على حقائب الداخلية والدفاع والعدل، فضلا عن تقديم وزيرة التربية استقالتها لارتباط شقيقها بداعش الأمر الذي يكشف عدم استقلالية الحكومة وبقاءها رهينة القوى السياسية النافذة. ولعل الحدث الأبرز الذي أنهى فيه العراق عام 2018 تمثل في الزيارة السرية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى قاعدة الأسد العسكرية في صحراء الأنبار العراقية. عام مغادرة «الفيلة» سورية في منتصف ديسمبر من العام 2018 أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، تحذيرا إلى المعارضة السورية المسلحة تحذر فيه قوات درع الفرات من المشاركة في أي عملية عسكرية مع تركيا في شرقي الفرات ضد الأكراد، وجاءت الجملة الشهيرة من البنتاغون في استصغار لقوات درع الفرات على النحو التالي «إذا رقصت الفيلة.. على الصغار مغادرة الميدان»، في إشارة إلى أن هذه الحرب أكبر منكم. لم تمض أيام على تحذير البنتاغون حتى فجر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المفاجأة المدوية بإعلان انسحاب القوات الأمريكية (2000) من سورية لتتداخل القوى الدولية والإقليمية في سورية من دون وجود إستراتيجية لملء الفراغ الأمريكي. المفاجأة الكبرى في الإدارة الأمريكية هي إعلان استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس من منصب وزير الدفاع أيضا في إشارة إلى عدم الرضا على قرارات ترمب. لقد عكس إعلان ترمب بالانسحاب ورسالة التحذير التي بعث بها البنتاغون إلى المعارضة السورية حجم الفجوة في الإدارة الأمريكية حول سورية، ففي الوقت الذي قال فيه البنتاغون إن الحرب في شرقي الفرات ضد الأكراد أشبه برقصة «فيلة» أي أنها للكبار فقط، باغت الرئيس الأمريكي المؤسسات الأمريكية بالانسحاب ليتقمص رقصة الفيلة في مغادرة الساحة السورية. انتهت الحقبة الأمريكية من سورية في أقل من 4 سنوات، وكتب الرئيس ترمب خروجا صادما للجميع، حتى الأعداء لم يكونوا مستعدين لمثل هذه المفاجأة، وكان خروج الفيلة من سورية نقطة تحول في الصراع السوري، فعلى الفور اتجهت القوى اللاعبة وفي مقدمتها روسياوإيرانوتركيا إلى التفاهم على ضبط الصراع في سورية بعيدا عن المهندس الأمريكي، إلا ان تناقضات المصالح الإقليمية بقيت مسيطرة على المشهد، فتركيا بدأت بالتحضير لعملية عسكرية في منبج وشرقي الفرات، بينما تقدمت قوات النظام السوري إلى مدينة منبج بالاتفاق مع الأكراد لملء الفراغ في حال أتم التحالف الدولي انسحابه، وفي دير الزور لم يبق لقوات سورية الديموقراطية سوى الاستمرار في العمل العسكري لدرء مخاطر تنظيم داعش، خصوصا وأن واشنطن سحبت أيضا الغطاء الجوي. دخلت سورية بعد مفاجأة ترمب في مرحلة جديدة من الصراع، تم تخفيض المستوى الدولي إلى مستوى إقليمي، خصوصا وأن باريس وبريطانيا وغيرهما من دول التحالف لم تعد قادرة على الاستمرار في ظل الغياب الأمريكي، وبصورة دراماتيكية ظهر المستوى العربي بشكل سريع نتيجة تداعيات الموقف الأمريكي فالإمارات العربية المتحدة فتحت سفارتها في العاصمة دمشق لاحتواء النفوذ الإيراني بينما الرئيس السوداني عمر البشير فاجأ المشهد العربي بزيارة إلى الأسد في قصر المهاجرين. كل هذه المقدمات كانت حصيلة العام 2018 لتدخل الأزمة السورية عامها الثامن بملامح جديدة ومسارات مختلفة تركيا أردوغان.. «عام أسود» من دون أي مبالغة يمكن وصف 2018 بأنه «عام أسود» في تركيا، إذ إنه العام الذي شهد انتقال البلاد إلى نظام الحكم الرئاسي وهيمنة رجب طيب أردوغان على مقاليد الحكم وتحوله إلى «ديكتاتور» بحسب وصف مراقبين سياسيين، وهو ما أدى إلى زيادة قمع حرية التعبير واعتقال الصحفيين وأصحاب الرأي، وتكميم الأفواه. وقد فضحت منظمة «مراسلون بلا حدود» فى تقريرها السنوى، نظام أردوغان مؤكدة أن تركيا أصبحت سجنا كبيرا، وأن عدد الصحفيين المسجونين والمعتقلين سجل العام الماضى ارتفاعا مرتبطا بالوضع السياسي. وكشفت أن معتقلات تركيا يقبع خلفها الكثير من الصحفيين والمعارضين. وفي الوقت الذي يغلق فيه النظام التركى صحفا ويمارس اعتقالات عشوائية بحق الصحفيين والمعارضين ومن يزعم صلتهم بمحاولة الانقلاب المزعومة والذين وصل عددهم إلى عشرات الآلاف، فقد فتح منابر إعلامية لقيادات من جماعة «الإخوان» الإرهابية، ودعم تنظيمات إرهابية ومنحها الملاذ الآمن داخل تركيا، وفتح أبوابه للتنظيمات المسلحة، وقدم تسهيلات وإغراءات لأكثر من 300 إعلامي عربي، وجعلت من إعلامه أبواقا تحرض على العنف والإرهاب فى البلدان العربية لخدمة أجندات مشبوهة. وفي شهادة لشاهد من أهلها، كشف نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض تشاكير أوزار، الأوضاع المتردية في تركيا بقوله: مر عام 2018 على الصحف والصحفيين بقمع متزايد من الناحية الاقتصادية، فضلا عن البطالة والقمع والتهديد والمراقبة وحجب المواقع والتحقيقات والاعتقالات. وأكد أن تركيا ليست حرة بحسب تقرير منظمة فريديم هاوس الأخير، لافتا إلى أنها تحتل المركز 157 بين 180 دولة من حيث حرية الصحافة لعام 2018 الذي أعلنت عنه منظمة صحفيين بلا حدود، وأن المنظمة نفسها وضعت تركيا كأعلى دولة من حيث اعتقال الصحفيين في السنوات الثلاث الأخيرة. اليمن: طرد عملاء إيران يقترب ودع اليمنيون عام 2018 بآمال عريضة خصوصاً بعد اتفاقيات السويد الهادفة إلى طرد عملاء إيران وإنهاء وجود مليشيا الحوثي في الحديدة، وإطلاق المختطفين والأسرى والانسحاب من تعز، لكن يبدو أن الوضع لا يزال يتدحرج في ملعب الأممالمتحدة دون أي تقدم وسط تغطرس وتعنت الحوثيين الذين يسعون إلى إبقاء الشعب اليمني رهينة المعاناة والفوضى والإرهاب المدعوم من إيران و«حزب الله». لقد وضعت اتفاقية السويد التي قدمت فيها الشرعية تنازلات أسس حقيقة لسلام دائم غير أن محاولات الالتفاف على بنودها وصمت الأممالمتحدة يؤرق الشعب اليمني لمعرفته بسلوك هذه العصابات ونكثها للعهود والمواثيق من الكويت إلى جنيف وليس انتهاء بستوكهولم. إن للنجاحات العسكرية التي حققها تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية دوراً كبيراً في إجبار المليشيا على الذهاب إلى السويد والخضوع للمجتمع الدولي بعد تطويقها في الحديدة ووصول قوات الشرعية إلى معقل زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي في صعدة، واستعادة محافظة شبوة بالكامل وأجزاء واسعة من محافظة حجة. ليس هذا فحسب بل شهد 2018 ضربات مؤلمة وخسائر موجعة لكبار قادة المليشيا وفي مقدمتهم رئيس المجلس الانقلابي صالح الصماد، وعدد كبير من القيادات الميدانية، وهو ما مثل أكبر انتكاسة للحوثي وعصابته ووضعت الخطوات الفعلية للنهاية الحقيقية التي تبدو قريبة برضوخ المليشيا وتنفيذ بنود اتفاقية السويد وتسليم السلاح واستعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب.