كثيراً ما يدعو كل واحد منا لأخيه بطول العمر، فنقول في معتاد كلامنا: طوّل عمرك، يا طويل العمر، وغيرها من العبارات التي نرى فيها أن طول العمر والحياة المديدة هي من الخيرات والأمنيات الطيبة. تذكرت هذه الخاطرة عندما شاهدت رجلاً تجاوز عمره المئة عام يباركون ويدعون له بطول العمر، وسألت نفسي سؤالاً مشروعاً: هل طول العمر خير للإنسان أم هو شر له؟ الكثيرون من البشر يتمنون أن تطول أعمارهم، ولا يدرون أ في ذلك خير أم شر لهم. قد يكون طول العمر خيراً للمرء، إن أفنى الإنسان أيامه في طاعة الله تعالى، وفي فعل الخيرات؛ لأنه في تلك الحالة كالذي يستثمر أمواله في البنك، فكلما مرت الأيام زادت الفوائد، وجنى المستثمر أرباحه، وقد يكون طول العمر على عكس ذلك - عافانا الله وإياكم - عندما يهدر الإنسان أيامه في معصية الله وفي فعل المعاصي؛ لأنه في تلك الحالة كالخاسر في تجارته، الذي يصر على استمراريته في التجارة وهو يعلم أن بضاعته فاسدة كاسدة. لقد أبلغنا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا تزول قدما عبد مؤمن حتى يسأل عن ثلاث، وإحدى هذه الثلاث هي العمر، ففي أي حال أفنى المرء عمره، وما الآخرة إلا يوم الحصاد فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره. هذه حقيقة نعلمها جميعاً، لكننا غافلون عنها، ولو تدبرناها حق التدبر ما كان دعاؤنا لبعضنا البعض مقصوراً على طول العمر، ولأشغفنا هذه الدعاء وهذه الأمنية، بالعمل الصالح مع طول العمر. فالحياة الحقة هي التي يقدم فيها المرء من الأعمال الصالحة ما يفيد نفسه وأهله ومجتمعه ووطنه وأمته، ولا خير في حياة طالت، وخلت من العمل الصالح. وها نحن مقبلون على شهر فضيل، نسأله تعالى أن يبلغنا وإياكم هذا الشهر، فلعلنا ننتهز الفرصة لمزيد من عمل الخيرات، وأعتقد أنه لا حدود للخيرات، ولا يستطيع أحدنا إحصاءها، وإن كنت أرى أبرزها في هذا الزمن صلة الأرحام. صدقوني، لا خير في عمر طال، وخلا من العمل الصالح، بل قد يكون قصر العمر خيراً للمرء إن كانت صحيفته خالية من الصالحات. أطال الله أعماركم، وبارك في أعمالكم، ورزقكم من الخيرات.