أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي في خطبته أمس، دعاة الحق ببذل المزيد من الجهود في سبيل إصلاح مجتمعاتهم والدعوة إلى الحق وتبصير الناس بدينهم بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أوصى المصلحين والمربين بالحرص على النشء وتعليمهم عقائد التوحيد الصحيحة ومنهجه السليم وتحذيرهم من الاعتقادات الباطلة والتصورات المنحرفة والمناهج الزائغة والأفكار الضالة والدعوة إلى فضائل الإسلام والتحذير من الرذائل والآثام. وأضاف أن الإسلام بدأ غريبا ثم ظهر وعلا وعز أهله ودخل الناس في دين الله أفواجا، ثم عادت غربته مرة أخرى واشتدت وتجلت مظاهرها بوضوح. وأوضح أن هذه الغربة ازدادت شيئاً فشيئاً بسبب دخول فتنة الشبهات والشهوات على الناس، حتى استحكمت مكيدةُ الشيطان وأطاعه أكثر الخلق فعظمت الفتن والابتلاءات وتغيرت الأحوال والتبست الأمور، ولكن مع هذا فطريق الخلاص وسبيل النجاة من الفتن معلوم. وبين الشيخ غزاوي أن هناك حكمةً عظيمةً لابتلاء المؤمنين بالغربة ألا وهي تمييز الخبيث من الطيب ومعرفة الصادق من الكاذب وتبيين المؤمن من المنافق، وبذلك يتساقط الأدعياء وأهل الباطل ويثبت أهل الحق، مستشهدا بقوله تعالى «مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» وقال: ذلك أن الغرباء حياتُهم طيبة وهم كرماء على الله ينالون تلك البشارة العظيمة التي بشر بها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: (فطوبى للغرباء) فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبا أي الإسلام أن المتمسك به يكون في شر، بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: (فطوبى للغرباء) وطوبى من الطيب؛ قال تعالى: (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنَ مَآبٍ) فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لما كان غريبًا وهم أسعد الناس». وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الأمة لا تزال بخير ولله الحمد، وإن تغيرت الأحوال وكثر الاختلاف فهناك من هو على الجادة يعمل على نصرة الإسلام ويضحي بالغالي والرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، وشعاره (من للإسلام إن لم أكن أنا) وهو لا ينتظر أن يتحرك غيره لنصرة الدين حتى يتحرك هو، ولا أن يَطلبَ منه أحد أن يقدم لأمته ودعوته، بل هو مبادر يعد نفسه هو المؤتمن على دين الله والمسؤول عن إصلاح المجتمع ورد الناس إلى ما كانوا عليه من الهدى ودين الحق. وشدد فضيلته على أن ما شهده التأريخ منذ بزوغ فجر هذا الدين العظيم من مؤامرات للقضاء عليه أمر لم يتعرض له أي دين آخر وأي ملة أخرى من محاولات الاجتثاث والإقصاء والتشويه، ومع ذلك نرى هذا الدين - بفضل الله -لا يزداد إلا انتشارا وقبولا لأنه هو دين الفطرة الذي ارتضاه الله للناس وأنه مهما سعى أعداء الإسلام جاهدين في محاربته، وطمس معالمه، والصد عن سبيله وأذية أهله، فلن يقف دوره، وسيظهر نوره، ويمتد أثره، ويبقى ما بقي الليل والنهار.