كانت نتائج الانتخابات النيابية في شهر أبريل 1993 بداية الشقاق بين الرئيسين السابقين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، ولم تنته الأزمة السياسية إلا بعد ما عُرف بحرب الانفصال بالتعبير الذي استخدمه صالح ورفاقه من الجنوبيين الذين ارتبطوا به حتى تقديم استقالته في فبراير 2012 والإخوان المسلمين والقوى التي وقفت ضد رغبة أغلبية شريك الوحدة الحقيقي الحزب الاشتراكي والجنوبيين في العودة إلى حدود 21 مايو 1990م، ولكن تلك الحرب العبثية كانت بداية الانتقال من حالة الخلاف السياسي إلى مساحة أكثر خطورة وهي الفراق الاجتماعي والوطني الذي كانت بداياته الاستبعاد لكل العسكريين الذين شاركوا تحت راية الانفصال وكذلك تهميش قطاع من الموظفين المدنيين الجنوبيين في كافة قطاعات الدولة ولم يبق منهم إلا من كان مخلصا حد الخنوع للرئيس السابق. قبل اندلاع حرب صيف 1994 رأى الكثير من الشماليين وأنا واحد منهم أن التراجع خطوة نحو إقامة اتحاد فيدرالي من إقليمين (شمالي وجنوبي) ربما أسهمت في تخفيف الاحتقان الذي أدى إلى حالة استقطاب شديدة في الجانبين، وكان صالح أكثر قدرة في التعامل معها والاستفادة من آثارها ساعده في ذلك حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) الذي كان يرى أنه استطاع إقصاء الحزب الاشتراكي والاستيلاء على تركته في الحكم وأيضا الجنوبيين الذين فروا من الجنوب إلى الشمال بعد هزيمتهم في الحرب الداخلية في اليمن الجنوبي التي جرت في يناير 1986 ومثلت بداية انهيار القبضة الحديدية للحزب فيه وأحدثت شقاقا مناطقيا داخليا ما زالت تبعاته تشكل عقبة غاية في الصعوبة في سبيل وحدة الصف الجنوبي. لست هنا في وارد السرد التاريخي عما حدث بعد قيام الوحدة في 22 مايو 1990 وانهيارها الفعلي في 7 يوليو 1994 حين اعتبر صالح حينها أنه (عمد الوحدة بالدم) وقال الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إنها (عودة الفرع إلى الأصل)، وتصور قادة الإصلاح أنها (الانتصار على الباطل)، ولكني لا بد أن اتحدث عن الواقع الحالي في الجنوب كمدافع عن حقه في الانفصال وقد سبقت في ذلك الكثيرين من الذين ينادون به الآن. قبل أشهر قليلة التقيت مصادفة بعدد من قيادات (المجلس الانتقالي الجنوبي) في عاصمة عربية كانوا يتواجدون بها أثناء وجودي فيها، وقد عبرت لهم أني أؤيد الرغبة الجنوبية في العودة إلى الوضع السابق وطرحت أن الحل الأمثل هو الاتفاق على إقامة إقليمين بحدودهما القديمة، ويمكن إجراء استفتاء بعد فترة يتفق عليها الطرفان الشمالي والجنوبي، وطرحت عليهم أن القيادة الحالية التي تدير شأن الدولة تتكون من أغلبية جنوبية يمكن لهم أن يتفاهموا معها أولا ليصلوا إلى تسوية تفتح الباب لتمثيل شمالي في المفاوضات حول مستقبل اليمن برمته. لقد فأجاني قدر التبسيط لقضية الانفصال وتصور أنها لا تحتاج إلى أكثر من رغبة داخلية يجتمع حولها الراغبون فيتم الأمر دون عراقيل. حاولت أثناء اللقاء أن أفسر الأمر بأني شخصيا مؤيد لفك ارتباط فوري، وصار هذا أمر تنادي به أغلبية شمالية ليس من بينها طبعا الإخوان المسلمين لأنهم يرون في الأمر خروجا على وحدة الأمة كما يتصورونها، لكن هذه القضية تحتاج إلى توافق وطني أولا ثم إقليمي ثم دولي، وقبل هذا وذاك تفاهمات جنوبية داخلية لا بد أن تعترف قيادة المجلس الانتقالي بأنها ربما كانت تمثل أغلبية شعبية بحكم المشاعر الناقمة على الوحدة وتبعاتها ولكنها يجب أن تعي في نفس الوقت أن توحيد الصف الجنوبي باختلاف توجهاته هو الخطوة الأساسية ودون ذلك لن يتحقق إلا المزيد من الشرذمة الداخلية، ولعل ما يجري في بعض المناطق التي تم إخراج الحوثيين منها مؤشر إلى الحالة التي يمكن أن تسير عليها الأمور في حال عدم حصول التوافق الداخلي. للجنوبيين حق أصيل في اختيار مستقبلهم بدولتهم ولكنهم لا يمكن أن يحصلوا عليه قسرا وبالقفز على المعوقات الإقليمية والدولية. * كاتب يمني وسفير سابق [email protected]