مُذ كُنا صغاراً ونحن نشعر بالرعب والخوف عند سماع اسم سجن الحاير، وذلك للصورة النمطية التي زرعت بداخلنا من قبل المغرضين لتشويه صورة وزارة الداخلية، ولبث صورة غير صحيحة لممارسات غير قانونية داخل أسوار هذه الإصلاحية التي لا يوجد مماثل لها في كل أنحاء العالم، ويبذل القائمون عليها جهدا كبيرا لتغيير سلوك النزلاء بوسائل عدة تتناسب مع كل نزيل ونزيلة. حظيت بشرف زيارة هذه الإصلاحية ولم أتوقع أبدا أن أرى ما رأيت، فكلمة الحق تقال إن ما يقدم في هذه الإصلاحية يفوق بمراحل ما يقدم بالفنادق ذات الخمس النجوم، وهي أشبه بمنتجع سياحي متكامل الخدمات. استقبلني عند قدومي المقدم الذي رحب بنا ترحيبا شديدا والابتسامة لا تفارقه، وأخذ يتحدث عن إصلاحية الحاير وما يقدم فيها وكيف أن المجتمع ربط بشكل ما وبطريقة خاطئة بين الإصلاحية والممارسات غير الإنسانية. صُدمت بكل ما تعنيه الكلمة من معنى عندما ذكر المقدم وجود فندق، ومستشفى متكامل بأحدث الأجهزة والمعدات، وأضاف أيضا أنه يوجد مركز لغسل الكلى تم استحداثه من أجل نزيل مصاب بالفشل الكلوي، والعجيب أن هذا النزيل غادر الإصلاحية! كما يوجد فندق وذلك لتوفير مكان بمواصفات عالية للنزلاء الذين يرغبون باستقبال أقاربهم من الدرجة الأولى بما لا يتجاوز ثلاثة أيام، كما يدار هذا الفندق من قبل شابات سعوديات متخصصات بالفندقة والسياحة. ويوجد أيضا عيادة أسنان متكاملة، ومركز للتجميل وإزالة الشعر الزائد للنزلاء الراغبين في ذلك. ذُهلت أيضا من وجود مركز متكامل لعدد من الوزارات، وذلك لتقديم الخدمة لمن يقطن إصلاحية الحاير من السعوديين وغيرهم، حيث يوجد فرع لوزارة الخارجية والأحوال المدنية ومكتب لهيئة حقوق الإنسان ومكتب لوزارة التعليم لمساعدة النزلاء في مواصلة دراستهم سواء في التعليم العام أو التعليم الجامعي أو حتى الدراسات العليا. كما تقدم وزارة الخارجية خدماتها من إصدار تأشيرات الزيارة لأقارب النزلاء من الدرجة الأولى، وتتحمل وزارة الداخلية كامل النفقات من تذاكر وحجوزات سفر وفنادق لذوي النزلاء غير السعوديين. أما ما يتعلق بحقوق الإنسان، فالمملكة عضو فاعل بمنظمة حقوق الإنسان ومن الطبيعي أن منظمة حقوق الإنسان لا تقبل أن يكون بينها دولة لا تعطي الإنسان حقوقه، وهذا ما يجعل ملف المملكة العربية السعودية نظيفا من هذه الناحية، وما مكتب هيئة حقوق الإنسان المتواجد في الإصلاحية نفسها ويشرف على كل ما يقدم إلا دليل دامغ على تقديم المملكة للنزلاء السياسيين وغيرهم كامل الحقوق. ومما أدهشني فعلا ما يقدم من أجل تغيير سلوك وفكر الشباب الذين غرر بهم بطريقة أو أخرى، حيث يوجد مركز للهوايات والرياضة يقوم كل نزيل باكتشاف هواياته بمساعدة مختصين في ذلك وممارسة الرياضة المفضلة له بمساعدة مدربين معتمدين. كما قمنا بزيارة مشتل تتم فيه زراعة الخضروات، والذي تم إنشاؤه بناء على اقتراح أحد النزلاء، حيث تمت دراسة الاقتراح وبعد ذلك تمت الموافقة عليه، حيث ينتج هذا المشتل حاليا طنا من الخضروات التي يتم توزيعها على النزلاء ومطبخ الإصلاحية والفندق الموجود داخلها. وذكر لي أحد الشبان العاملين في هذا المشتل، وكان مظهره أنيقا ولم يأت أبدا في تصوري أنه نزيل وذلك لهيئته الأنيقة والثقة في كلامه ومعرفته الدقيقة بكل تفاصيل المشتل؛ أنهم في صدد التنويع من حيث المحاصيل الزراعية، وفي صدد أيضا زراعة عدة أنواع من الورد لمنافسة منطقة تبوك، قالها ممازحا. كما يوجد ملعب لممارسة كرة القدم وكرة الطائرة وملاعب وصالات أخرى لممارسة رياضات مختلفة. مرت الساعات سريعا وانقضى يوم كامل من الزيارة لإصلاحية لم أتخيل في يوم من الأيام أن أزورها، ولم أتخيل أبدا أن أرى ما رأيت، ولكن الله شاء أن تكون هذه الزيارة لتعديل الصورة الخاطئة عنها لدي ولدى كثير من أفراد المجتمع. انقضى يوم كامل وكان لا بد لي من زيارة مركز المناصحة والذي يعتبر من أهم المراحل، حيث يتم النقاش فيه والتحاور مع النزلاء بالأفكار الخاطئة وتصحيحها، لأن الهدف إعادة أبنائنا لأحضاننا لا التفريط بهم ومعاقبتهم لمجرد المعاقبة. في الختام، أود أن أشكر كل القائمين على إصلاحية الحاير، الذين لم يألوا جهدا في مساعدتنا وشرح كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالحاير، وإجابتهم عن كل الاستفسارات التي تدور في أذهاننا. تحية وشكر وعرفان أيضا لوزارة الداخلية التي تحتضن أبناءها مشرعة أيديها لهم وتمشي باتجاههم وتقدم كل ما يلزم من أجل إعادتهم للمسار الصحيح. * باحث إستراتيجي بالقضايا الفكرية