الأسماء التي سأناقشها من نخب الصحوة المعجبة بعدنان إبراهيم هي الأسماء التالية: الصحافي والكاتب الصحوي جمال خاشقجي، والداعية الصحوي طارق السويدان، والشيخ الصحوي سلمان العودة، والكاتب محمد علي المحمود. في حلقة (إلى أين أخذتنا الصحوة؟) من برنامج (صحوة) المذاع على قناة (روتانا) قدم معد ومقدم البرنامج الزميل أحمد العرفج مداخلة مصورة ومسجلة سلفاً لخاشقجي قال الأخير فيها: «الصحوة مظلومة. البعض يحجمها ويجعلها مجرد قصة متكررة عن شاب أحرق صوره القديمة أو كسّر أسطوانته. ينسى البعض أن الصحوة كانت حركة إحياء وهي أكبر من تلك القصص. فهي سبقت بتاريخها حركة جهيمان والثورة الإيرانية. أنا بين يدي الآن مجلات قديمة. أنا حريص على اقتناء المجلات القديمة». ثم أبرز عدداً من أعداد مجلة (المسلم المعاصر) يعود تاريخه إلى عام 1976، وقال: «هذه من المجلات التي كان لها دور كبير في إحياء الفكر الإسلامي وجعله قادراً على مواجهة تحديثات العصر... لكن الصحوة مثل أي شيء، هي عدة صحوات: صحوة تشدد. صحوة إحياء. صحوة عدالة. صحوة تبحث عما في الإسلام من قوة سياسية. لكن البعض يحجمها ويجعلها صحوة تشدد فقط...». ثنى عدنان إبراهيم على كلامه، فقال: ينبغي أن نكون متوازنين... فبتأثير نهايات أليمة، انتهت إليها بعض جيوب الصحوة، لا يمكن ولا ينبغي أن نهيل التراب على كل تاريخ الصحوة، كأنها من يوم أسست شر في شر... واختلف معه، في أنه يرى أن الصحوة أحدثت نوعاً من الانكسار في المشروع الإصلاحي التجديدي الذي قاده محمد عبده ومدرسة المنار. وبعد بضع أسئلة قاده الاسترسال في إجابة من الإجابات وكان يتحدث فيها عن مؤاخذاته على حركة الصحوة، أن يأتي على ذكر مجلة (المسلم المعاصر) بغرض مخالف للغرض الذي استعمله جمال خاشقجي حين ذكرها، فقال: «هي مجلة مهمة، فيها دراسات وأبحاث ممتازة، لكن أكثر هذه الدراسات والأبحاث لم تلقِ بظلالها على الخط العام للجماعة ولا على تفكير قاعدتها الجماهيرية؛ لأن القلب في الهم ليس المسألة المعرفية والتجديدية، وإنما المسألة السياسية». إن ما أسماه خاشقجي خاطرة كان عبارة عن مرافعة هزيلة قائمة على مغالطة؛ فلا أحد يقول إن تاريخ الصحوة بدأ بعد الثورة الإيرانية وبعد حركة جهيمان إلا إذا كانت معلوماته بمستوى تلك المرافعة الهزيلة. والصحوة ليست مظلومة، بل هي ظالمة لمجتمعاتها وظالمة لعدد من الحكام العرب، وبخاصة أنور السادات الذي أحسن إليها وآل سعود الذين غمروها بإحسانهم وفضلهم منذ زمن بعيد. والشاب الذي أحرق صوره وكسّر أسطواناته والتشدد هو من مظاهر الصحوة البارزة ولا سبيل إلى إنكارها. أما مجلة (المسلم المعاصر) فهي لم تكن مجلة إحيائية بالمعنى العام ولا بالمعنى الخاص؛ فهذه المجلة، من حيث هي فكرة ومنجز، قامت بجهد ثلة من الإخوان المسلمين القدامى الذين كانوا لمسوا الضعف المعرفي والعلمي والثقافي عند الإخوان المسلمين منذ أيام حسن البنا بعد أن قرأوا بعض أدبيات زملائهم إسلاميي الجماعة الإسلامية في الهند. وكان حسن البنا غير مهتم وغير مكترث بما لمسوه وسعوا إلى سد النقص فيه؛ لهذا لم يمد لهم يد العون. صدرت هذه المجلة في عام 1974م في بيروت، وكانت عبر بعض كتابها تتحدث في عدد من القضايا بلغة علمية وثقافية مخالفة للغة غالبية تيارها الذي تنتمي إليه. وكان ثمة تياران فيها، تيار يعبر عن تلك اللغة المخالفة وتيار هو مع اللغة السائدة في التيار الإسلامي. وكانت الغلبة للتيار الأخير؛ لأن التيار الأول كان تياراً أقلَّوياً، صغير الشأن. والتيار الأخير، كان تياراً أكثرياً، عظيم الشأن. هذه المجلة كانت تتوجه إلى المثقفين العرب، وتضع بعين الاعتبار مقاييسهم وموازينهم في طريقة التفكير والاختلاف وكتابة المقالات والأبحاث، وكانت قيادات الحركة الإسلامية حريصة كل الحرص على حصرها في هذا النطاق الضيق وعلى عدم ترويجها بين أبناء الحركة الإسلامية وفي محاضنها، وقصر الترويج على المجلات والكتب المغالية والمتطرفة. إن المجلات الإحيائية شأن لا صلة للحركة الإسلامية به، والإحيائية والإحيائيون صفتان لا تنطبقان على هذه الحركة ولا على أصحابها، فهذه الحركة وأصحابها كانوا ضد التراث العربي والإسلامي بمعناه الواسع والثر، لسبب أساسي وهو أنه يقدم رواية أخرى مخالفة لروايتهم عن تاريخ الإسلام والمسلمين وعن الحياة الإسلامية في عصورها المختلفة. مع افتتاح موقع عدنان إبراهيم الجديد شهد له طارق السويدان في رسالة مسجلة بعمق العلم الشرعي والفكري والفلسفي وبعمق علمه بالحياة والفلسفة والعلوم التطبيقية الحديثة، وعده سابقا لزمانه وسابقا لكل من عرفهم من المهتمين بتلك المسائل. في أحد الحوارات التلفزيونية معه سأل المذيع الكويتي طارق السويدان عن شهادته تلك فكرر ثناءه عليه، قائلاً: «عدنان عالم لا يشق له غبار. عدنان من أعمق الناس. أنا محتك شخصياً فيه. عميق وصاحب دليل وحجة وبرهان. والله إن معظم الذين يهاجمونه لو ناظروه، فإنهم لن يتمكنوا من الوقوف أمامه خمس دقائق. لا أؤيد هجومه على الصحابة ولا موقفه من معاوية، ولم أحب بعض الأشياء التي تكلم فيها عن عائشة». إني أجد كلامه هنا كلاما غريبا وعجيبا، فعادة حين يسأل مثقف أو ناقد أو باحث عن آخر في ميدان الأدب والثقافة والفكر، يأتي بكلام مفيد سواء أكان متفقاً أم مختلفاً معه. إن كلامه السابق ينطوي على مصادرة مفادها: عدنان إبراهيم عميق. وبما أنه عميق فلا يحق لأحد أن يختلف معه أو يناقشه! إن هذا الكلام الذي مداره أن عدنان إبراهيم عميق وتكرار وصفه بالعميق يكشف عن عطش وجوع عند الصحويين إلى توفر عميق في صفوفهم في الوقت الحالي. كما أن هذا الكلام يطرح على الإسلاميين مشكلة أخلاقية ومنهجية كبرى لم يفكر السويدان فيها، ويجب على الإسلاميين أن يفكروا فيها الآن: بذل الإسلاميون جهداً طويلاً وعريضاً ضمن ما يسمى بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد، وقد توج هذا الجهد بإقرار طريقته في بعض أقسام التاريخ في بعض الجامعات في البلدان العربية والإسلامية. وهذا الجهد كان قائماً على إقصاء وإدانة طرائق المؤرخين العرب المعاصرين - على اختلاف أدواتهم المنهجية وتوجهاتهم الفكرية - وكان قائماً على سعي حثيث لدى قارئهم أي قارئ الكتاب الإسلامي أن تكون كتبهم وأبحاثهم سدّاً منيعاً يحول دون قراءة أعمال أولئك، قراءة مباشرة، من خلال الادعاء بأن كتب أولئك كتب منحرفة وضالة وخطرة على عقيدة المسلم. وعدنان إبراهيم - إذا ما نحينا طريقة المودودي وسيد قطب في قراءة تاريخ الدولة الإسلامية - تتضارب وتتناقض مع طريقة أصحاب كتابة التاريخ الإسلامي من جديد، والتفسير الإسلامي للتاريخ، ومع هذا فهم الآن لا يقصونه ولا يدينونه! وإن اضطروا للتعبير عن اختلافهم معه، فهم لا يقولون سوى تحفظات ضعيفة وباردة! إننا أمام تناقض صارخ، وهذا التناقض يتضمن تضليلاً عظيماً. ولنا أن نسأل: لماذا كان ذلك الجهد الطويل والعريض؟ وماذا يقولون به الآن؟ هل ذهب أدراج الرياح مع عدنان إبراهيم! لقد فوت الإسلاميون على قارئهم الاستفادة من أعمال المؤرخين العرب المعاصرين التي هي بعمومها كتابة تاريخية علمية منهجية محترفة تندرج ضمن المعرفة التاريخية المتطورة التي يؤرخ لبدايتها مع استقلال علم التاريخ في أوروبا عن الدين في القرون الحديثة. والبديل الذي يطرحه السويدان وسواه من الصحويين للطريقة التي كان الإسلاميون يكتبون بها التاريخ الإسلامي ولطريقة المؤرخين العرب المعاصرين، هو عدنان إبراهيم الذي هو في مجال التاريخ ليس إلا حكواتياً دينياً مغالياً في تقديم صورة تاريخ الإسلام السياسي. تحفظ السويدان على هجوم عدنان على الصحابة وعلى موقفه من معاوية، وتحفظه على أشياء قالها عن عائشة يشاركه فيه أسماء سلفية في الكويت - الذين استخف بهم وحقر من شأنهم حين قال: إنهم لو ناظروا عدنان إبراهيم لن يتمكنوا من الوقوف أمامه خمس دقائق - ولأنهم يشاركونه في تحفظه هذا، فلقد قاموا بمناقشته ونقده. ولا أفهم بأي حق يريد حرمانهم من نقاش عدنان ونقده. وما دام أن موقفه منهم بهذه الحدة والصلف، لماذا لا يناقشهم هو عوضاً عن أن يقدم نفسه في صورة (صبي) الفتوة - كما في كلامه السابق عنهم - الذي يتباهى ويفخر بمبالغة بما عند (معلمه) وليس بما عنده؟! لقد استمعت إلى ما قالته أسماء كويتية سلفية، ولم أجد في ما قالوه سقط الكلام الذي يتفوه به عدنان عن الذين يختلف معهم، وعن السالفين والغابرين من شخصيات الماضي الإسلامي البعيد. وليس صحيحاً ما يدعيه الشيخ الصحوي سلمان العودة، بأنه يدفع إلى ذلك بسبب الاستفزاز الذي يتعرض له، فالكلام النابي والسوقي هو من مفردات معجمه الخلافي والجدالي، وهو يقوله حتى من دون أن يعترض أحد عليه أو يستفزه. لقد كان الإعلامي عبدالله المديفر أشجع وأصرح من شيخه سلمان العودة، عندما جابه عدنان إبراهيم في لقائه به في قناة (روتانا) بمعايبه وقبائحه في خطبه ودروسه ومحاضراته، وأتى ببعض أمثلة لها، وأدانها بأدب جم ورفيع. بعض ما قلته في نقد صحوي الكويت، طارق السويدان، وأعني بها القضية التي لم يفكر فيها، ينسحب على إفادة سلمان العودة عن عدنان إبراهيم، إذ سئل عنه ثلاث مرات، وكان الجواب واحداً تقريباً في كل هذه المرات. وفي إحدى إجاباته التي استغرقت من الوقت ما يزيد على خمس دقائق، كانت الإجابة تتسم بتقوية وحكموية متكلفتين، لأنه أزجاهما في غير سياقهما. فالسؤال الموجه إليه كان سؤالاً مباشراً: كيف تقيم شخصية عدنان إبراهيم؟ أي كيف تقيمه من خلال خطبه ودروسه ومحاضراته؟ وبعد أن شرق وغرب في إجابته، قال عنه: إنه له ما له وعليه ما عليه. وما عليه من وجهة نظره، أنه أخفق في كلامه عن الصحابة. وأضاف قائلاً: ومع أنه رجل عقلاني إلا أنه في قضايا الصوفية والكرامات وحتى في ما يخصه شخصياً، يشطح في بعض الأمور التي لا تكون مقبولة، وفيها نظر، ويسردها بقبول وإعجاب وإذا غضب أو استفز أو استثير، ربما أنه ينفعل. وهذه صفات موجودة عنده وعند غيره! وهذا كلام عام وعمومي وفضفاض، يستطيع قوله رجل لبق اعتذاري حتى لو كان من العامة. إن السؤال الذي على الفئة التي هي معجبة بعدنان إبراهيم بسبب تيسيره الفقهي بإباحة سماع الغناء وفي مسائل أخرى أن تطرحه على الشيخ سلمان العودة: لماذا لم ينص في تحفظه السالف على مسألة إباحة الغناء؟ هل يفهم من هذا أنه أصبح يبيح سماع الغناء أم أنه ما زال كسابق عهده، يحرمه؟ ما قد لا تعلمه تلك الفئة أن الشيخ سلمان كان المحفز الأساسي لكتابة رده الشهير على الشيخ محمد الغزالي، هو تيسيرات الأخير الفقهية التي نافح عنها داخل تيار يغلب عليه الغلو والتشدد الديني. تيسيرات فقهية تتعلق بالمرأة، كإباحة كشف وجهها، وتوليها منصب رئاسة الدولة والوزارات والقضاء، وتتعلق بإباحة التصوير الفوتوغرافي وإباحة سماع الغناء. والقضية الأخيرة استسمح الشيخ سلمان العودة القارئ أن يسهب ويستطرد فيها تحت المسوغات التالية: أن قضية الغناء قد عمت بها البلوى عند كثير من الناس ووقعوا فيها. أن الشيخ الغزالي تناول من يقولون بتحريم الغناء بطريقة غريبة في هذا الموضوع. أن صحيفة (الشرق الأوسط) نشرت الجزء المتعلق بالغناء ضمن المقتطفات التي تنشرها من الكتاب. ولذلك أحدثت دوياً في أوساط الناس. واتصل مجموعة من الناس (ربما يقصد اتصلوا به وببعض مشايخ الصحوة) يتساءلون عن هذا الأمر. إن كتاب الغزالي (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث)، أتى في وقت كان الغلو والتشدد قد استحكمت حلقاته، وشمل جمهوراً جديداً من عامة المتعلمين والمتعلمات وعامة البسطاء والعاديين في العالم العربي. وكان الكتاب في الأصل موجهاً إلى جمهور الصحوة وليس إلى من هم خارجها. وهذا الجمهور بمشايخه الجدد في السعودية، كان قد تحققت له منجزات كبيرة، منها: رهن المرأة وأسرها في خطابهم، وحظر الفن بجميع أشكاله وتحريمه على نطاق واسع في المجتمع السعودي. فقامت قيامتهم على كتاب الغزالي، ولم يهدئ ثائرتهم سوى رد سلمان عليه في كتاب يقرأ وكاسيت يسمع. سيستنكر القارئ ضم الكاتب محمد علي المحمود إلى من سبقت مناقشتهم فهو قد اشتهر بنقده الشديد والعنيف لفكر الصحوة الإسلامية وبعنفوانه الليبرالي منذ أن بدأ كتابة زاويته الأسبوعية في صحيفة (الرياض)، وسأعرض للقارئ مسوغات ضمه إليهم وإلحاقهم به في مناقشتي هذه. المسوغ الأول، أن لديه بقايا ورواسب صحوية، ولنهمل ما قاله للإعلامي والكاتب تركي الدخيل عن نفسه حين استضافه في برنامجه (إضاءات) قبل ما يقرب من عقد: بأن رياح الصحوة لم تستول عليه ولم تستطع أن تقتلعه من جذوره الليبرالية. وأكد لتركي بثقة، أنه الآن يعتبر نفسه ليبرالياً جداً. المسوغ الثاني، أنه كتب عن عدنان إبراهيم داعياً له ومبشراً به منذ وقت مبكر. كتب عنه كتابة مطولة ومفصلة، واضحة ومباشرة، رغم تغطيته بعض المجازفات التي أطلقها بعبارات مغلفة ملتوية. المسوغ الثالث، أن المعجبين بعدنان إبراهيم موجودون في طائفة الصحوة وفي غيرها من الطوائف. ومن هذه الطوائف طائفة الليبراليين. وبالإمكان أن نعتبره ممثلاً لعينة فيها، سواء أكان أفراد هذه العينة ليبراليين إلى حد ما أم ليبراليين جداً مثله. *باحث وكاتب سعودي