لا توجد قيمة لمهنة ما لم يشغل الجانب الإنساني جزءا أساسيا فيها، فالإنسان السعيد والمحب لعمله لا يفكر في جني المال بقدر سعادته بالمساهمة في تقديم الخدمة للآخرين، وهو في هذه الحالة يصب تركيزه واهتمامه لإتقان حرفته والتميز فيها واكتشاف الجانب الإيجابي والقيمة المعنوية من معارفه وخبراته. الارتباط بالمهنة هو نوع من أداء الواجب والالتزام في داخل إطار العمل، ولكن الارتباط بالجانب الأخلاقي للمهنة يتطلب المساهمة الإنسانية لمساعدة الغير سواء كان ذلك في الساعات المحددة بداخل العمل أو خارجها، بما ينمي في الفرد حبه لمهنته والإخلاص لها والسرور بمقابل ما يمكن تقديمه لخدمة المجتمع، ذلك يفسر مدى استيعاب قيمة العمل الإنساني إلى جانب المفهوم المهني، فلا يجب أن يضع صاحب المهنة حدودا لمهنته، وسنجد أن المجال متاح اليوم للتواصل والإفادة بالمعرفة والخبرات، وبما ينعكس عن مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه وما يمكن الاستفادة منه تقنيا لتحسين الأداء المهني وتطويره بشكل عام من خلال التبادل المعرفي وتطوير الأفكار، فيما يستطيع أي مهني من خلال قنوات الاتصال المختلفة تقديم الاستشارات والنصائح في مجال تعليمه وعمله، ذلك يرفع من نسبة الوعي الفردي ويساعد في نقل الخبرات إلى من يستطيع الاستفادة منها سواء كان متعلما أو متدربا، غير أن قيمة العطاء في ثقافة العمل وتنمية أخلاقياته هي أحد أهم الجوانب التي يجب أن يرتكز عليها التعليم والتدريب المهني كترسيخ للجانب الإنساني بجميع أبعاده الإيجابية، ومن خلال التقنية يمكن الاستزادة والارتقاء في هذا الجانب وكذلك استثماره ليكون خلاقا للإبداع. لا أنسى أنني ذات مرة؛ قد اشتريت منتجا للعناية الشخصية من سيدة أمريكية تقوم بتصنيعه في منزلها وتملك حسابا خاصا لعرض المنتج وبيعه على موقع eBay المعروف، وحينما أخذني الفضول لزيارة ملفها الخاص وجدت أنها قد وضعت مقطع فيديو توضح فيه المكونات وطريقة الإعداد والصنع لمنتجها المنزلي، قائلة؛ إن بإمكان الراغب في شراء المنتج توفير الأدوات وصنعه ذاتيا بدلا من شرائه، غير مبالية بإفشاء وصفة العمل التي تكسب مالها من خلفه، ولكنها أخلاق المهنة وقيمة العطاء التي تنعكس على فاعلها بالطمأنينة والاستقرار النفسي، وكذلك تزيده سعادة حينما ينتفع منها الآخرون. [email protected]