كد خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، أن ما يقدم في خدمة العقيدة الاسلامية واجب على كل مسلم. وقال في كلمة أمام لجنة الدعوة في أفريقيا ومعهم الدعاة المشاركون في الملتقى العشرين للجنة الدعوة في أفريقيا: "أشكركم وأتمنى لكم التوفيق، ونحن إن شاء الله معكم دائماً وأبداً في أي لحظة مستعدين لكل ما يطلب منا نحو عقيدتنا الإسلامية، وهذه ما لنا فيها لا عز ولا فخر، بل هذا واجب على كل مسلم، وشكراً لكم، والله أكبر". وكان خادم الحرمين الشريفين استقبل في قصر الصفا قبل مغرب اليوم رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، ورئيس وزراء باكستان الأسبق ورئيس حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف. كما استقبل خادم الحرمين الشريفين الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وعدداً من مسؤولي الهيئة، وباحثين متخصصين في الآثار، وكذلك الدكتور بندر بن سلمان بن محمد، مستشار خادم الحرمين الشريفين رئيس لجنة الدعوة في أفريقيا، وأعضاء اللجنة يرافقهم 39 من الدعاة يمثلون 39 بلداً أفريقيًّا يشاركون في الملتقى العشرين للجنة الدعوة في أفريقيا. وخلال الاستقبال ألقى عميد الكلية الأفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال عضو اتحاد علماء أفريقيا الدكتور محمد أحمد لوح كلمة نيابة عن المشاركين في الملتقى العشرين للجنة الدعوة في أفريقيا قال فيها: "يا خادم الحرمين الشريفين، نشهدكم ونحن نخبة من علماء أفريقيا ودعاتها وقادة العمل الإسلامي فيها بأن المسلمين في كافة أرجاء المعمورة ينظرون نظرات ملؤها التقدير والاحترام إلى جهودكم الجبارة في تقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن من حجاج وعمار وزوار منذ وصولهم لبلاد الحرمين الشريفين وحتى مغادرتهم مع حرصكم على تطويرها تطويراً مستمراً مبنياً على أسس علمية وبحثية، جندتم لها كافة الإمكانات حتى تحقق بفضل الله على أرض الواقع ما نشاهده اليوم من إنجازات والقادم بإذن الله أعظم وأكبر". وأضاف أن التوسعة التاريخية الجديدة التي أطلقتموها وجرى بإقرارها توقيعكم الكريم ووضعتم حجرها الأساس قبل أيام قليلة بتكلفة تتجاوز مائة ألف مليون ريال تدل على ذلك، أما الأوقاف الكبيرة التي أوقفتموها على الحرمين الشريفين فهي مما يتحدث عنها القاصي والداني، بل هي التي تتحدث عن نفسها؛ إذ ما من حاج أو معتمر أو زائر يطل على المدينتين المشرفتين إلا وتلامس بصره هامات تلكم الأوقاف، وإن هذه المآثر وتلك الأفضال لما تتحدث عنه الأجيال القادمة بعد آماد وعصور وأزمان ودهور، فشكر الله سعيكم وسدد خطاكم وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي به المحسنين على إحسانهم. وأشار لوح إلى مواقف خادم الحرمين الشريفين تجاه علماء المسلمين وعامتهم وقال: إنها محفورة في صفحات التاريخ، وسوف تبقى ما بقي للتاريخ ذكر، فها أنتم قبل أشهر قليلة تصدرون بيانكم المشرف بشأن علماء هذا البلد الذين هم مرجعية علماء الأمة في كل مكان، فكان ما تضمنه بيانكم لفتة تشريف للأمة كلها، رفعت به رأسها، وأحييت به روحاً معنوية كادت جذوتها أن تخمد بفعل الأعاصير، وكادت أوراقها وزهورها تذبل بكيد الكائدين ومكر الماكرين. وأوضح أن هناك لفتة أخرى لا تنسى وهي الموقف المشرف لخادم الحرمين الشريفين تجاه الفتن التي تموج كما يموج البحر في هذا الظرف الدقيقة من تاريخ أمتنا، حيث خاطب أيده الله الحكام والشعوب، وذكّرهم بضرورة تحكيم العقل ووجوب حقن الدماء المسلمة التي تسيل بغير حقها، وشعاره- رعاه الله- في هذه التوجيهات ومنطلقه في هذه الإرشادات حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا وما فيها". وتابع يقول: "إن مما لا ينساه الناسون، ولا يمكن أن يغفل عنه الغافلون موقفكم يا خادم الحرمين الشريفين تجاه إخوانكم الذين التهمتهم المجاعة في القرن الأفريقي، حيث أطلقتم حملة إغاثية بالأمس القريب فجاءت نتائجها معبرة عن عمق نواياكم تجاه هذه الأمة". ومضى إلى القول: "يا خادم الحرمين الشريفين إنها بشرى سارة نزفها إلى مقامكم الكريم، إنها قيام اتحاد لعلماء أفريقيا يجمع تحته كل علماء هذه القارة الإسلامية، حيث عقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد في شهر شعبان الماضي في مدينة باماكو عاصمة جمهورية مالي بالرعاية الفعلية لرئيس الجمهورية وأعضاء حكومته، إنه أول كيان من هذا النوع على مستوى القارة يهدف إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف والسعي في الإصلاح بين الفرقاء وفتح أبواب الحوار البناء بين أبناء القارة من المسلمين وغيرهم، كما يسعى الاتحاد إلى تقديم الإسلام في صورته الحقيقية الناصعة النقية الصافية من الشوائب والإضافات، الإسلام البعيد عن العنف والغلو والأفكار الهدامة والمتطرفة، الإسلام الذي يقدم للبشرية بشائر الخير والرحمة والنماء والسلام والوئام". وقال: "إن مما نبشركم به أن معظم العلماء الذين يقودون هذا الاتحاد وشاركوا في تأسيسه ممن تربى في أفنية مؤسساتكم ورضع من لبان مناهجكم التعليمية، ثم عادوا إلى بلادهم دعاة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكلهم ولله الحمد معروفون بخلق الإسلام ورصانة العلماء واتزان العقلاء، وليس هذا نتيجة مسلك من الانتقاء سلكناه، ولكنه هو الواقع الفعلي للقارة الأفريقية، فمعظم أبنائها المتعلمين إنما أخذوا العلم من بلاد الحرمين الشريفين". وأفاد أن لجنة الدعوة في أفريقيا بقيادة الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد كان لها أثرها الواضح من خلال ملتقياتها في توجيه خريجيها إلى المسلك السليم البعيد عن الإفراط والتفريط وتذكيرهم بمسؤولياتهم في جمع الكلمة وإنهاء الخلافات القبلية وغيرها. واختتم كلمته بالقول: "إنكم يا خادم الحرمين قد بذرتم وزرعتم فنبت زرعكم وترعرع غرسكم، وها هو يبلغ أشده ليظهر هذا الكيان الجامع للأمة الأفريقية تحت سقف من السلام والوئام يستظلون جميعاً تحت مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا شك أن مسؤوليات هذا الاتحاد الجديد كبيرة، والمشاريع التي ينتظر منه إنجازها لتنوء بالعصبة أولي القوة، ولكن بتوفيق من الله وتوجيهاتكم وإرشاداتكم ودعمكم سوف يكون مع كل عسر يسر ومع كل ضائقة فرج، بارك الله فيكم وتقبل منكم طاعاتكم، وأبقاكم ذخراً للأمة ملكاً للإنجازات، قائداً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل الخير والهدى والنور". وتناول الجميع طعام الإفطار مع خادم الحرمين الشريفين، وعقب الإفطار تشرف الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد رئيس لجنة الدعوة في أفريقيا بتقديم نسخة من تقرير إنجازات اللجنة على مدى العشرين عاماً الماضية. وبعد ذلك شاهد خادم الحرمين الشريفين عرضاً للاكتشاف الأثري الذي عُثر عليه مؤخراً في موقع "المقر" في وسط المملكة، ويبرز استئناس الإنسان للخيل وتربيتها على أرض الجزيرة العربية قبل تسعة آلاف سنة، حيث استمع الملك المفدى إلى شرح مفصل من الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومن الفريق العلمي السعودي المشارك في الاكتشاف. كما اطلع- أيده الله- على عدد من المواد الأثرية التي تشير إلى أن الموقع يُعدّ أقدم موقع تم اكتشافه حتى الآن لاستئناس الخيل في العالم، كما تبرز النشاطات الحضارية التي مارسها سكان المنطقة في فترة العصر الحجري الحديث. وأثنى خادم الحرمين الشريفين على جهود الفريق العلمي، وتمنى لهم مزيداً من التوفيق والنجاح ووجه حفظه الله بنشر هذا الاكتشاف الأثري الذي وجد في المملكة والذي يؤكد أسبقية استئناس الخيل في الجزيرة العربية ليطلع عليه العالم.