لم يُفكّر أهل شاب ثلاثيني بوسيلة لعلاج الصرع الذي يعتريه سوى تقييده بسلاسل حديدية، وحبسه في كوخ صغير، لمدة ثلاثين عاماً، والحديد يكبّل يديه وقدميه بحيث لا يستطيع أن يحركها، ولا يستطيع أيضاً الجلوس بالطريقة المعتادة. ثلاثة عقود ينام مقيداً بقيود لا أحد يستطيع إزالتها إلا بعد جهد طويل. عندما تقترب من الكوخ الصغير الذي يقع في إحدى قرى الصهاليل في منطقة جازان، تسمع صوت علي بن مفرح صهلولي في عمر يناهز 50 عام، يقول ويردد عبارات تكاد أن تفهمها إذا تمعنت في كلماتها: “من أنتم وماذا تريدون، ولا تصورون، أبعدوا عني أو أزيلوا قيودي”. كوخ صغير إسطواني الشكل، مظلم، بني على طرازهم المعماري في تلك المناطق الجبلية، خصص لسجن ” علي”، مسور بسور شبكي معدني، وبجوار الكوخ المعزول عن العالم بأمتار قليلة يسكن أهل “علي”، في منزلهم الشعبي دون جيران، فالطريق في المنطقة الجبلية وعر لا تعبره إلا بسيارات الدفع الرباعي، لتصل إلى السجن المخصص ل”علي”. عندما تشاهد “علي” وهو مقيد، لا يظهر عليه علامات الجنون، فملابسه نظيفة حليق الشعر، وكوخه أيضاً نظيف، ويقضي حاجته في أوراق ويرمي بها خارج كوخه، وصحته وبنيته جيدة. سجن “علي” بحسب الشرق، الذي كان متواجدا فيه أخيه محمد بن مفرح صهلولي والدموع تتناثر من عينيه وهو يقول ” لم نجد حلاً سو أن نقيده بالحديد، بعد أن قالوا لنا الجهات المختصة “ليس للمجنون غير أهله”، مشيراً إلى أن علي كان في بداية مرضه بالصرع يعود إلى حالته الطبيعية كل مرة. وحكى الصهلولي، أن أخاه “علي” كان مصابا منذ صغره بمرض الصرع، وذهب به إلى المستشفى دون أي جدوى وفائدة، ولم يكن يتناول العلاج الذي يصرف له، حتى تدهورت حالته النفسية، وطالبنا بنقله إلى مستشفى الأمراض النفسية بالطائف، ولكن لم يجبنا أحد. وأضاف الصهلولي، إن آخر مرة ذهبوا ب”علي” إلى مستشفى الصحة النفسية كانت قبل نحو 4 سنوات، حيث صرفت له بعض الأدوية، مضيفاً أن المستشفى احتفظ ب” علي” عدة أيام، ثم طلوا منهم الحضور لاستلامه. وأوضح، أنه تم تقييد “علي” قبل 30 عام، بعد أن أحرق منزلنا مرتين، وتعدى على والدته بالضرب،وآذى الجيران، مما دعانا إلى بناء كوخ له خارج المنزل، وتقيده بقيود من حديد؛ لنسلم ويسلم الناس من شره، مشيراً إلى أنه لا أحد يستطيع أن يقترب منه إلا أنا وأخي، ونقدم له الطعام كل يوم مرتين، ونقوم بإطعامه، والطعام الذي نقدمه ل”علي” من طعامنا الذي نأكله. من جانبه قال المشرف العام على الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة جازان السعودية” أحمد البهكلي”: في مثل هذه الحالة، يتوجب أن تتلقى الجمعية شرحا وافيا بالإضافة إلى التقارير الطبية عن الحالة، مشيراً إلى أن الجمعية تبدأ متابعتها، والتواصل مع الجهات المعنية لحلها. مضيفا أن الجمعية تقوم بالوقوف على الحالة من بعض الأعضاء المتعاونين والباحثين المعنيين، ومطابقة ما هو مقدم على الواقع. وأكمل “إذا عجزت مستشفيات منطقة جازان عن علاجه، فيطلب من إدارة الشؤون الصحية تحويله إلى المستشفى التخصصي المركزي على مستوى البلد، ولكل حالة طريقة تعامل بما يناسبها، مشيراً إلى أنه لا بد من مبادرة ذوي المريض بالتقدم إلى فرع الجمعية، وإرفاق التقارير التي تثبت الحالة بتواريخها”.