يعود أول فهرس بلغة واحدة الى القرن الثالث قبل الميلاد من إنجاز الصينيين القدماء ولكن علماء اللغة والآثار يؤكدون أن أول فهرس للكلمات عرفه البشر من لغتين هو سومري أكادي يعود تاريخه إلى ألف وثلاث مئة عام قبل الميلاد وقد اكتشفه الأثريون في مدينة إيبلا السورية. وإذا كانت لكل حضارة قصصها وتاريخها القاموس فإن للغة العربية باعاً طويلاً في هذا الشأن ولاسيما أنها لغة القرآن الكريم ولها ما لها من إيقاع موسيقي تطرب له الآذان وفيها مافيها من دلالات ومعان لا تقف عند حدود. وقد وعى العرب منذ القدم أن لغتهم سلاحهم الأمضى فعشقوا الشعراء وأنصتوا للفصحاء منهم فرفعوا لغتهم إلى أسمى المصاف وانكبوا يشتغلون عليها حتى صارت صنعة فعلماً. ويعد كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي نقطة تحول أساسية يؤرخ بها للعمل المعجمي العربي ولاسيما أن الفراهيدي الذي توفي عام 786 للميلاد يوصف بأنه أعلم علماء عصره في مضمار اللغة وله تدين العربية ببحور الشعر وقد بدأ معجمه بحرف العين ولم ينسق كلامه على ترتيب حروف الهجاء المتعارف عليها ولا على ترتيبها في حساب الجمل بل وضع للحروف ترتيباً من عنده فقدم الحروف الحلقية ثم أعقبها بالحروف الشجرية ثم الأحرف اللسانية ثم الشفهية ثم المعتلة. وعلى أثره ألف إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي كتاب البارع الذي رتبه متأثراً بنظريات سيبويه المشروحة طولاً وعرضاً في كتابه الكتاب الذي قدم حرف الهاء على سائر الأحرف ووضع العين بعدها. وفي القرن العاشر الميلادي تداول العلماء كتاب التهذيب لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري الذي هدف منه لتنقية اللغة من شوائبها إلى أن وضع الفيروز أبادي معجمه القاموس المحيط في القرن الخامس عشر الذي شكل مرحلة مفصلية في تاريخ البشرية حين تمكن الألماني غوتنبرغ من اختراع أول مطبعة عام 1440 ومن طباعة كتاب بالكامل في عام 1455. ثم تتالت قواميس النهضة العربية كمحيط المحيط لبطرس البستاني الذي صدر في عام 1883 والمنجد للويس معلوف في عام 1946 وقد صدرت هذه القواميس في لحظة تبدل خلالها وجه العالم فتم تمديد شبكات الكهرباء وسكك الحديد وافتتاح المصانع وتشييد المدن. ورغم مرور الزمن لم يفقد المعجمان التاريخيان لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للفيروز آبادي ألقهما حتى اليوم ولا يهنأ عيش للشغوفين باللغة ما لم يعرجوا يوماً بعد يوم على هذين المصدرين. فبعد سبعة قرون من ظهور قاموس العين نذر العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري الأنصاري الخزرجي المعروف بابن منظور حياته للغة مستقصياً ومرتباً مفرداتها وذلك كما جاء في مقدمته بسبب /..انتشار الجهل بين الناس بالعربية وافتخارهم بمعرفة اللغات الأجنبية/. جمع ابن منظور لسانه مستنداً إلى خمسة كتب موءسسة هي تهذيب الأزهري ومحكم ابن سيده وصحاح الجوهري وحواشي ابن بري ونهاية ابن الأثير فاستفاد منها من كل ما تم تأليفه قبله فجاء عمله موسوعياً وإن أخذ عليه بعضهم عدم استفادته من الجمهرة لابن دريد والبارع للقالي وغيرهما إلا أنه رغم ذلك فإن لسان العرب يمتع متصفحه فهو فرد من دنيا المعاجم العربية بشموله وبجمعه شمل ما تم وضعه من كتب قبله. أما القاموس المحيط للفيروز أبادي الذي أهداه للملك المملوكي الأشرف إسماعيل بن عباس الرسولي فقد هدف منه لجمع فصيح العربية وغريبها وبسيطها وأطلق عليه هذا الاسم لأنه أراده بحراً عظيماً كما جاء في مقدمته. استند الفيروز أبادي وهو يضع قاموسه على كتب من سبقوه لكنه حرص على تنظيمها فتخلصت مواد قاموسه من التشتت الذي كان يرغم الباحث على قراءة المادة كلها كي يحصل على معاني الصيغة التي يريد وقد انتهج نهج الصحاح أي إنه رتب كلماته على أواخر أصول الكلمات وهو برأي الكثير من الباحثين الترتيب الذي تقتضيه طبيعة اللغة العربية بسعتها الاشتقاقية. وفي عام 1632 تمت ترجمة القاموس المحيط إلى اللاتينية واعتمده المطران جرمانوس فرحات أساساً لموءلفه باب الإعراب في لغة الأعراب وشرحه المرتضى الزبيدي في تاج العروس في شرح جواهر القاموس. انتشر القاموس المحيط بين الناس بعد أن تمت طباعته أول مرة في الهند ثم في مصر عام 1872 وكانت نسخ هذا المعجم تعد بالآلاف قبل صدوره مطبوعاً وقد نقده أحمد فارس الشدياق في كتابه الجاسوس على القاموس. أما تاج العروس فهو شرح للقاموس المحيط وبه اختتم العرب حقبة قاموسية بدأت بالعين في القرن الثامن ودامت أحد عشر قرناً إلى أن بزغ فجر القرن التاسع عشر مثقلاً بالتغيرات الجغرافية والسياسية التي دبت في أواصر اللغة وقواميسها حياة جديدة. ومع حملة نابليون على مصر جاءت أول مطبعة نبهت العربية وأهلها إلى ما آل إليه العصر فأرسلت البعثات إلى فرنسا وازدهرت الترجمة وما واكبها من معاجم ثنائية اللغة. وفي عام 1835 تأسست مدرسة الألسن برئاسة رفاعة الطهطاوي وقد ترجم تلاميذه أكثر من مئتي مؤلف من أشهر الكتب الطبية والطبيعية ولما تأسست مدرسة الطب في القاهرة عام 1826 شعر القائمون عليها بحاجة ماسة إلى ترجمة المصطلحات الطبية فاستحضر من باريس قاموس القواميس الطبية الواقع في ثمانية مجلدات وتعاونت مدرسة الطب بكل هيئاتها على ترجمة هذا القاموس إلى العربية وعلى إثرائه بالمصطلحات الطبية الواردة في القاموس المحيط لكن لم يتم نشر هذا المعجم رغم أن مادة الطب ظلت تدرس باللغة العربية في الجامعة المصرية والجامعة الأميركية أما اليوم فبقيت الجامعات السورية هي الوحيدة التي تدرس الطب باللغة العربية. وفي عام 1866 أعاد بطرس البستاني تبويب القاموس المحيط للفيروزأبادي تحت عنوان محيط المحيط وتلته نسخته المختصرة قطر المحيط وقد رتب البستاني معجمه ألفبائياً باعتبار أوائل الألفاظ مجردة كما فعل الزمخشري وقد شاءه هين المراس سهل المأخذ ليكون للطلبة مصباحاً يكشف لهم عما أشكل عليهم من مفردات اللغة. وفي عام 1908 صدرت الطبعة الأولى من المنجد للأب لويس المعلوف اليسوعي وهو حتى اليوم واحد من أفضل المعاجم المدرسية ترتيباً وشكلاً من خلال استفادته من تقنيات المعاجم الغربية وقد توالت طبعاته منقحة معدلة ومزودة بالإضافات كملحق الأقوال السائرة والأمثال عند العرب وقد اعتمد المنجد في مادته اللغوية على محيط المحيط مع الرجوع أحياناً إلى تاج العروس. وفي عام 1960 صدر المعجم الوسيط في القاهرة مفسحاً المجال لألفاظ الحضارة ولمصطلحات العلوم والفنون مسترشداً بما أقره مجمع اللغة العربية في القاهرة اشتقاقاً وقياساً وتعريباً ليفي بمطالب العصر. وفي سورية أصدرت وزارة التربية عام 1985 المعجم المدرسي الذي يشكل خطوة مهمة ورائدة على طريق الاهتمام باللغة العربية ومفرداتها ورفدها بكل ما هو جديد ضمن شروط ومعطيات لم تقف عند القوالب المجمعية الجامدة بل تجاوزتها في الكثير من الأحيان إلى الأخذ بشروط الحياة وشروط اللغة هذا الكائن الحي الذي يتطور في الاتجاهات كافة. أما آخر قاموس تم وضعه في اللغة والنحو والصرف والإعراب والمصطلحات العلمية والفلسفية والقانونية والحديثة فهو المعجم الصادر عن دار النخبة للباحثة اللبنانية غريد الشيخ محمد التي تقصدت أن يستطيع أي قارئء مهما كان عمره الاستفادة منه ولاسيما أنه موجه لكل الأعمار والمستويات الثقافية. ومع بدايات القرن العشرين لم يعد العلم مقصوراً على فئة مختارة بل صار إلزامياً في بقاع كثيرة من العالم فترسخت المناهج وصار طلاب اللغة قراءة وكتابة يطالبون بتجديد شباب المعاجم ورفدها بآلاف المفردات المستوفية الشروط ولاسيما مع التطور التقني وظروف المعرفة الجديدة مع خلال عمليات إعادة تشييد وتأسيس لا تعد ولا تحصى إن في الشكل أو المضمون لأن اللغة ليست كما يظن حبيسة المعاجم والقواميس إنما هي أداة عمل وكائن حي شديد التأثر والتأثير.