زيارة الطبيب لا تقتصر على العلاج بعد وقوع الواقعة! فلا بدّ من زيارات دوريّة لتفقّد الصحة العامة وابقاء الجسم سليماً والتحكّم في كلّ المشاكل التي تبدأ صغيرة قبل أن تتفاقم. الرجال والنساء على حدّ سواء، مُعرّضون للإنتكاسات والأمراض، لذلك لا بدّ لهم من إستشارة الإختصاصيين لتجنّب ما يمكن أن ينتج من الإهمال أو التغاضي عن الفحوص الروتينية والكشف المبكر. إنّ صحّة الرجل الإنجابيّة شقّ أساسيّ لا يفكّر فيه معظم الشباب، ذلك أنهم يظنون انفسهم بمنأى عن الأمر. إلاّ أنّه موضوع متشعّب قد ينعكس سلباً على روتين الحياة أوّلاً، والحالة الجسدية ثانياً، والعلاقات الزوجية وحتى الإجتماعية. بعيداً عن الكرامة ومفهوم الرجولة الخاطئ في الشرق، على كلّ رجل أن يُقرّ بمشكلة اذا واجه عقبات في الإنجاب، إذ إنّ العقم مصدره أحياناً الرجل أيضاً، ولا يُلقى اللوم بكامله على المرأة! المهم ان لا شيء بعيد عن العلاج في الطبّ. إذ بات من الممكن الخضوع لسلسلة من العلاجات للتمكّن من الإنجاب ومن تكوين عائلة وإستمراريّة النسل. العقم ليس بعاهة أو وصمة عار، لكنه ببساطة حالة طبّيّة تستدعي العلاج، بعيداً عن المضاعفات النفسية وحالات الغضب والنقمة غير المبرّرة. يتحدث الدكتور ألبير معربس، الإختصاصيّ في المسالك البوليّة، عن صحّة الرجل الإنجابيّة ومشكلة العقم والأمراض التي قد تصيبه. كما تتطرّق الإختصاصيّة في علم النفس ناديا سابا، إلى الإنعكاسات النفسيّة والعواقب الإجتماعيّة الناجمة عن هذه المشكلة. صحّة الرجل إنّ الحديث عن مفهوم صحّة الرجل الجنسيّة هو الخوص في مجال واسع يشتمل على خطيّن عريضين، ألا وهما مرحلة ما قبل المرض، والحالة المرضيّة. يقول الدكتور معربس: «من الأمور المطلوبة، لا بل المثالية، أن يقصد الرجل عموماً طبيباً إختصاصياً من غير أن يكون مصاباً بمرض معيّن. لكن لا بدّ من الزيارة الروتينية التي تكشف ما يقضّ المضجع ويقلق البال، حتى لو لم توجد مشكلة. وإنطلاقاً من خبرتنا، نلاحظ أنّه عندما يقرّر الرجل أن يتوجه إلى الطبيب، فغالباً ما يكون السبب للإستفسار عن شيء يقلقه هو شخصياً، أو بغية الإستعلام عمّا يريد فهمه بعيداً عن المفاهيم الخاطئة لتجنّب السلبيّات. وتبقى أكثر المواضيع شيوعاً تفكير الشاب وتحليله لما قد سمعه أو محاولته تفسير ما يحصل معه في حياته الخاصة ولا يحصل له على تفسير مُرضٍ أو كافٍ». مواضيع محدّدة إنّ الحديث عن أمور قد لا تبدو مهمّة أو مدعاة للقلق أو نقطة للبحث بين الناس ليس مماثلاً للتحدّث عن مشاكل فعليّة تصيب الرجل، لكنه يخجل أو يأبى التحدث عنها. يفسّر الدكتور معربس: «للإختصار، قد يقصد الرجل طبيبه الخاص للإستفسار عن مواضيع أساسية تشكّل نقاط إستفهام حيناً وأحجار عثرة أحياناً. فالطبيب الإختصاصيّ في جراحة المسالك البولية والأعضاء التناسلية مؤهل للتعامل مع صحّة الرجل الإنجابيّة ومشاكل العقم، والحالات المرضية الناجمة عن إلتهابات، إضافة إلى التشوّهات الخلقية في الأعضاء التناسلية الخارجية التي تؤثر على الأداء والأمراض التي تتعلّق بالمشاكل الهرمونية. لذلك، يستطيع هذا الإختصاصيّ أن يفحص أوّلاً ويشخّص، قبل الشروع في عمليّة العلاج». حالات مرضيّة إضافيّة عبر الفحوص الدقيقة، يمكن الكشف عن مشاكل وأمراض قد تكون طفيفة أو خطرة. يقول معربس: «قد يُصاب الرجل بأمراض خفيفة كمجموعة من الإلتهابات الخارجية التي تصيب الأعضاء التناسلية الخارجية مثل الفطريّات والأمراض الجرثومية العادية والأمراض المنقولة عبر العلاقة الحميمة والتي لا تشكّل خطراً مثل إلتهاب الإحليل العاديّ. كما قد تكون الأمراض أكثر خطورة لتشكّل حالة مرضية صعبة الشفاء أو مستعصية الشفاء في الوقت الحاضر، مثل إلتهابات الكبد الفيروسية، ومرض السيفيليس، ومرض الايدز والهيربيس». لذلك لا بدّ من مراقبة الصحة عند الرجل لمحاولة الكشف المبكر عن كلّ ما يمكن أن يصيبه ويؤذيه. إنعكاسات نفسيّة قد لا يقبل رجل أن يكتشف الناس أنه يعاني خطباً ما من ناحية الإنجاب، ذلك أنّه يعتبر الأمر متصلاً بكرامته ورجولته. وهنا تقول سابا: «الرجل في الشرق لا يرضخ للأمر الواقع عندما يتعلّق الموضوع بالإنجاب والعقم والمشاكل الأخرى التي يعتبر مصدرها حكراً على المراة. فعوض البوح بحقيقة المشكلة، يفضّل من حيث يدري أو لا يدري أن يُلقي اللوم على زوجته، على أساس انها لا تستطيع أن تحمل. لذلك نجده يحاول التعويض بشتّى الطرق عن مشكلته هذه». نرى عموماً رجالاً يُلقون اللوم على المرأة ويرفضون حتى مجرّد التفكير في أنّهم هم سبب العثرة، فلا يخضعون لفحوص أو تشخيص على يد إختصاصيّ، أو رجالاً يفضّلون عدم الغوص في النقاش وتناسي الموضوع أصلاً والإبتعاد عن الإختلاط في المناسبات الإجتماعيّة أو حتى العائليّة، أو رجالاً يصطنعون مسافات وهوّة كبرى في العلاقة الزوجيّة هرباً من مواجهة الواقع الأليم، فيتشرذم رابط الزواج وتنطفئ شعلة الحبّ رويداً رويداً ويتّجه كلّ فرد في العلاقة إلى إهتمامات خارجيّة فرديّة بعيداً عن الشريك! وهذه المشاكل كلّها من شانها أن تسبب خلافات عائليّة وزوجيّة وإنقطاع مجرى الحياة الطبيعيّة. كما تؤثّر سلباً في العلاقات الإجتماعيّة وحتى في الأداء العمليّ، لأنها تُحيل المشكلة الصحية إلى أزمة نفسيّة. تضيف سابا: «من ناحية أخرى، قد يشعر الرجل بأنّه منتقص الرجولة أو غير كامل، لأنه غير قادر على منح زوجته ولداً، فيتولّد عنده شعور بالذنب تجاهها وتجاه الناس لأنه يشعر بأنّه خطأه هو، ولا داعي ليتحمّل الآخرون العواقب. فقد يلجأ أحياناً إمّا إلى الإبتعاد والهجر العاطفي وحتى الإنفصال، وإمّا يتحوّل إلى «عبد» ينفّذ الأوامر ويحاول بشتى الطرق أن يعوّض الأمر على زوجته مهما كان الثمن. وهذه عاقبة نفسيّة خطرة لأنها تحوّل الإنسان-الشريك المساوي للآخر إلى مجرّد أداة لتنفيذ الأوامر وإرضاء الرغبات، منتقصة من طبيعته الإنسانيّة وكرامته البشريّة». تربية سليمة وواعية من أبرز الأمور وأهمّها تحضير الولد ليصبح شاباً ورجلاً سليماً معافىً. وتقول الإختصاصيّة في علم النفس سابا«إنّ المرحلة التي تتعلّق بتكوين الشخصية للإنسان عن طريق التربية الجنسية أساسية لأنها تمنع المشاكل وتحمي من الأمراض وتدعو الإنسان إلى اللجوء إلى الطبّ عند الضرورة عوض إنكار المشكلة أو محاولة تلافيها والإفصاح عنها خوفاً أو خجلاً أو من باب الذنب». ففي المدارس، يتمّ إدخال هذه التربية ضمن المنهج لما لها من إفادة. تضيف سابا: «إنّ التربية بشقّها هذا، هي تفسير مبسّط وعلميّ لجسم الإنسان ولوظائفه الجنسية وتفسير للظواهر التي تكون جديدة على الولد، من ناحية ما يراه أو يشعر به». ومع الوقت، يتمّ ّالتوسّع أكثر في المواضيع للوصول إلى الحوار السليم والواضح مع المربيّ الذي يتكفّل شرح الموضوع خطوة بخطوة. هذا من الناحية التربوية. وأمّا من الناحية الصحية، فيتمّ إستقدام أطباء يحاضرون للمراحل التكميلية والثانوية، حسب العمر وصولاً الى الإنفتاح المبكّر والتوعية على المشاكل، مما يساهم في التخفيف من حالات الشذوذ الجنسي والإنحراف والأعمال الجنسية غير السليمة. نصيحة مفيدة تبقى نصيحة الأطباء على الدوام عدم اللجوء إلى أيّ طرق غير علميّة للتعامل مع المشاكل الصحّية وبخاصة مشاكل العقم والصحّة الإنجابيّة. إذ لا علاج للأمراض أو المشاكل إلاّ بالسبل الطبية والعلمية. فيجب دوماً إستشارة الطبيب الإختصاصيّ وعدم تناول أدوية وعقاقير من دون وصفة. ولا يجوز تقاذف اللوم ما بين الزوجين وتحويل المشلكة الإنجابيّة الصحية إلى عائق في العلاقة. بل يجب التكاتف والعمل معاً لإيجاد الحلّ الأمثل. وتكون الخطوة الأولى إعتراف الطرفين بوجود خطب ما، ومن ثمّ يُعمد إلى إجراء الفحوص التي تحدّد أصل العقم وسببه، فيشخّص الطبيب العامل الأساسيّ ويباشر العلاج. فالعقم مشكلة صحيّة بحتة ولا علاقة لها ب«الرجولة». لذلك لا داعي لوجود عقدة ذنب أو نظرة شفقة ومشكلة الدونيّة. عقم عند الرجل للعقم أسباب كثيرة يمكن معالجة الغالبيّة منها، ليستطيع الرجل الإنجاب. يقول معربس: «قد يكون السبب هرمونياً، بحيث لا تُفرز الهرمونات الضرورية بشكل كافٍ. كما قد ينجم الموضوع عن تأثير دوالي الخصية في تكوين الحيوانات المنويّة بصورة سليمة، فتتأثر من ناحية الحركة والعمل والتكوين السليم والقدرة على الحياة والإستمرارية للوصول وتلقيح البويضة. وقد يكون السبب إنسداد القناة الناقلة التي تنقل الحيوانات المنويّة بسبب وجود إلتهابات. كما قد تؤدي بعض الأمراض مثل «أبو كعيب» الى توقف تكوّن الحيوانات المنوية وإيذاء الخصية». لهذه الأسباب كلّها علاجات تبدأ أوّلاً بإستشارة الطبيب للعمل على تخطّي المشكلة ومن ثمّ حلّها. فحوص دوريّة يوصي جميع الأطباء أن يعمد الرجل إلى إجراء سلسلة من الفحوص الدوريّة من باب وقائيّ. يقول معربس: «تُجرى فحوص للحيوانات المنويّة عندما تدعو الحاجة، من سنّ البلوغ وما فوق، لمعرفة تعدادها وتكوينها. كما يُشدّد على الفحص السريريّ العادي الذي من شأنه أن يكشف على سلامة الأعضاء التناسلية الخارجيّة. وفي مرحلة مبكرة، يلعب الطبّ المدرسيّ دوراً أساسياً في الكشف عن الأمراض الخلقية أو الأمراض التي قد يتعرّض لها الشاب. وحسب الشكوى، يمكن التوغل لإجراء المزيد من الفحوص، مثل فحص الهرمونات وفحوص مخبرية وفحوص دم وتحاليل للبول وتحاليل لإفرازات غير طبيعية»، مما يساعد في تحديد المشكلة والبدء بعلاجها.