قرأت ولم أفهم... وعندما فهمت لم أستوعب...! العنوان الرئيس للصفحة الأولى من صحيفة الاقتصادية (الجمعة 14 مايو الجاري) يقول: "التجار يتحركون لإلغاء توجيه 10% من قيمة التصاديق لجمعية المستهلك".. وفي التفاصيل جاء ما يلي: التحرك أعلن عنه صالح كامل رئيس مجلس الغرف السعودية رئيس غرفة جدة على هامش لقاء الجمعية العمومية لغرفة جدة مساء الأربعاء 12 مايو، وقال فيه ما نصه: • "موضوع حماية المستهلك صدر فيه قرار من مجلس الوزراء، لكن هذا لا يمنع من مراجعة الأمر". • "غرفة جدة لم تنفذ القرار، ومعظم الغرف التجارية في مجلس الغرف السعودية ضدّ هذا الموضوع، ليس لأنه من موارد الغرف، ولكن هناك تناقض مصالح". • "جمعية حماية المستهلك تحميني من التاجر، فكيف نحن التجار نمولها؟! بالتأكيد هناك لبس". • "تحدثنا مع وزير التجارة وتفهم وجهة نظرنا ووعدنا برفعها والعمل على تغييرها". وإذا فهمتم ما فهمت، واستوعبتم ما استوعبت، فستجدون أن التجار ممثلين في رئيس مجلس الغرف وشيخ التجار، يعلنون صراحة أنهم لم ينفذوا قرارا لمجلس الوزراء أصبح في حكم القانون، وأن عضوا في مجلس الوزراء، هو وزير التجارة، يتفهم موقفهم ويعدهم برفع مظلمتهم ورفعها عنهم. هم لم ينفذوا القرار، ثم يتظلمون منه، كما هو الإجراء القانوني السليم الذي لا يعرّضهم للمساءلة، لكنهم يرفضون التنفيذ من الأساس، ويؤيّدهم في ذلك الوزير المكلف بتنفيذ النظام بموجب قرار مجلس الوزراء، ولا يرى بأسا في امتناعهم عن التقيّد بالنظام، والأمر لا يختلف عن قائد السيارة الذي يقطع إشارة المرور لأنها تتعارض مع مصالحه، ثم نسمع أن رجل المرور يؤيده في ذلك دون النظر في مصالح بقية مستخدمي الطريق. ما سبق هو لا شك تحريض من أجل تنفيذ القرار، لكنني لا أودّ مناقشته من هذه الزاوية، فالمشرع الذي وضع النظام أقدر مني على رؤية مصالح بقية المستهلكين، الذين هم جموع المواطنين والمقيمين في هذه البلاد. ولن أناقش في مشروعية أن يعترض مجتمع التجار من خلال مؤسسة المجتمع المدني التي تمثلهم، على قرار ما يصدر من جهات التشريع، فهذا هو دور الغرف التجارية أن تحمي مصالح منتسبيها. لكن العجيب أن تقرر الغرف التجارية أنها ستحمي مصالح كل التجار حتى أصحاب الممارسات الرديئة منهم الذين هم هدف جمعية حماية المستهلك لردعهم عن الغش والتدليس والإضرار بمصالح المستهلكين، والعجيب أن يتفق التجار على ذلك، رغم أنهم كأفراد بمن فيهم رئيس مجلس الغرف مستهلكون في المقام الأول للغذاء والدواء ومواد الاستهلاك الأخرى، كالأجهزة والآلات، ولن يبلغوا مهما كانت درجة ثرائهم أن ينتجوا كل شيء، فكيف يقاومون قيام جهة يفترض بها أنها ستحميهم وأهالي بيوتهم من الضرر؟ عندما يقول رئيس مجلس الغرف إن مصالحنا تتعارض مع جمعية حماية المستهلك، فإنه يثبت أن التجار في خندق وبقية المستهلكين في خندق آخر، وهو ينزع عنهم صفة المواطنة الصالحة، وأنا شخصيا لا أعتقد بذلك، فالتاجر والصانع مواطنان أولا وأخيرا، وإن جاء من بعضهم زلل ما في وقت ما، فلمثل هذا توجد القوانين والأنظمة التي تحمي التاجر الصالح والصانع الصالح من التاجر الفاسد والصانع الفاسد. والعجيب أيضا أن ما ينازعون عليه جمعية حماية المستهلك هو نذر قليل من دخل كبير يصل إلى خزائن الغرف التجارية، وهناك شك لدى منتسبي الغرف قبل المواطنين أن هذه المداخيل تستثمر بشكل فعال لمصلحة تنمية عمل القطاع الخاص. لكن ما يثير العجب هو موقف الوزير الذي نقله رئيس مجلس الغرف على لسانه على الملأ، وهنا يحق لنا أن نسأل معالي الوزير: يا صاحب المعالي هل أنت معنا أم معهم؟