أصابتني قشعريرة وأنا أقرأ في هذه الصحيفة يوم أمس خبرا بإصدار قاضي الأحداث حكما بالتغريب عاما كاملا على حدث وجلده 100 سوط (دفعة واحدة) لإقراره بممارسة الزنا.. وقبل الحديث عن هذه الحادثة، كان أحد الأصدقاء يتساءل قبل أيام عن كيفية إقدام بعض الأحداث على ممارسة الجنس حتى بالعنف والاغتصاب أحيانا، ولتبسيط الأمر تناولت كتابا مصورا لأمراض الغدد في الأطفال وأريته صورة لفتى ضخم مكتمل الأعضاء التناسلية ونابت الشعر ثم سألته كم يعتقد سن ذلك الفتى، وكان متوقعا أن يجيب بأنه في العشرين أو أكثر، لكنه فوجئ حين أخبرته أن سنه لا تزيد عن 14 عاما وأنه مصاب بخلل في وظائف الغدة الأدرينالية يؤدي إلى ظهور مبكر لعلامات الذكورة ووظائفها، مع اكتمال غير طبيعي للبنية الجسدية، وبالتالي فهؤلاء أطفال مرضى من الظلم أن يحكم عليهم بمجرد رؤية شعر العانة ثم إقامة الحد الذي قد يكون قصاصا في بعض الأحيان بدلا من علاجهم في المستشفيات المتخصصة. خبر الأمس يقول إن الحدث لم يتجاوز 17 عاما، وهذا يعني أنه قد يكون في أي سن تحت ال 17 ومع ذلك فقد جعله القاضي ضحية لحكمه الذي كان بالإمكان استبداله بما هو أرحم.. وقبل أي شيء لا بد أن نسأل هل هذا الحدث بلغ السن التي يمكن فيها إقامة الحد عليه إذا كان خاليا من أي علة مرضية، وكيف تم التحقق من ذلك والجزم به؟ ثم ألم يكن ممكنا إذا لم يكن هناك بد من تنفيذ الحكم الرأفة بهذا الطفل وجلده على دفعات بدلا من صب مئة سوط على جسده دفعة واحدة؟.. أما التغريب فإنه حكم مثير .. سمعنا تهمة (التغريب) تلصق ببعض الكتاب والمثقفين، ولكن ها هو التغريب عن المكان والأهل يصدر بحق طفل لم يتجاوز السابعة عشرة، فهل يعي قاضي الأحداث أي كارثة ستحل بأسرته، وأي دمار ينتظره وهو مغرب قسرا لمدة عام؟.. أين سيغرب هذا الطفل يا فضيلة القاضي، وكيف سيدير حياته، ومن سيعتني به ويحميه، وهل لك أن توضح المنطق في هذا الحكم؟ لقد صدق والد الطفل حين قال إن هذا عقاب للأسرة بأكملها، وصدق حين قال لماذا لا يبقى في دار الملاحظة بدلا من البقاء بمفرده خارج مقر إقامة الأسرة. إن أهم ما في القضية هو عدم وجود محام بجانب الطفل عند محاكمته لإظهار وبيان حقوقه، لا سيما ما يترتب على التقرير بالقناعة الذي يحرمه حقه في استئناف الحكم، كما ذكر المستشار القانوني في هيئة حقوق الإنسان الدكتور عمر الخولي، فهل هذه محاكمة مكتملة؟ إنها مسؤولية جمعية وهيئة حقوق الإنسان والجهات العليا في القضاء لإيقاف هذا الانتهاك لضوابط العدالة وحقوق الإنسان.