احتضنت العاصمة السعودية الرياض يومي الأحد والإثنين الماضيين مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينين في دورته العاشرة والذي يعد أكبر تجمع اقتصادي بين العالم العربي والصين بمشاركة أكثر من 2000 شخصية اقتصادية تحت شعار " التعاون من أجل الرخاء". رؤى وافاق أوسع واضافت الرياض باستضافتها للمؤتمر لبنة في جدار العلاقات المتنامية بين الرياضوبكين والتي شهدت تطورا لافتا في العقدين الأخيرين ولاسيما في السنوات الست الاخيرة انعكس بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي بين البلدين قفز بها الى الصدارة على مستوى العالم العربي. وأسهم هذا التعاون في وصول حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين إلى ما يزيد على 106 مليار دولار في 2022، مقابل 81 مليار دولار في العام 2021، وقد شرعت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لبكين في العام 2017 الأبواب لعلاقات تميز بين البلدين بتوقيع 16 اتفاقية متنوعة سبقتها 14 اتفاقية وقعت عام 2016 بين البلدين، ثم جاءت زيارة الرئيس الصيني للرياض في شهر ديسمبر الماضي لتفتح امامها افاقا أوسع للتعاون بين البلدين وفي مختلف المجالات وفق رؤية مشتركة. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد وقع مع الرئيس الصيني 50 اتفاقية تاريخية جعلت من الصين الشريك الاقتصادي الأول للمملكة العربية السعودية في العقود المقبلة وفق الرؤية السعودية 2030. مراحل التطور وبدأت العلاقات بين البلدين قبل حوالي 80 عاما، وتركزت على العلاقات التجارية البسيطة واستقبال الحجاج الصينيين، وصولا إلى شكلها الرسمي عام 1990 بعد اتفاق البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما وتبادل السفراء وتنظيم اجتماعات على المستويات السياسية والاقتصادية والشبابية حيث أخذت العلاقات بالتنامي متسمة بالتميز الكبير الذي انعكس إيجابا على التعاون بين البلدين. وعبر العقود ارتقت هذه العلاقات لتصل إلى أعلى مراتب الشراكة المتماشية مع التطور الذي يشهده العالم، ومواكبة لمتغيرات العصر، حتى وصل حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين إلى ما يوازي ربع حجم التبادل التجاري بين الصين والعالم العربي الذي بلغ 421 مليار دولار في عام 2022. الشريك التجاري الأول وخلال العقود الماضية شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، سواء كانت اتفاقيات ثنائية بين الحكومتين أو بين رجال الأعمال في البلدين حيث تجاوز عدد الشركات العاملة بين البلدين اكثر 550 شركة بين صينية وسعودية خالصة، وشركات مشتركة بنسب متفاوتة، حيث كانت ترتكز معظم صادرات المملكة إلى الصين على البترول، ومشتقاته، وفي السنوات الأخيرة انضمت لها منتجات كثيرة ساهمت على التنوع. واحتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للمملكة لآخر 6 سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات السعودية ووارداتها الخارجية منذ العام 2018، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الست الماضية (2017-2022) الى نحو(400 مليار ريال). خادم الحرمين قاد الخطوات الأولى ويعود التطور السريع في العلاقات بين البلدين الى الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين في 2017 وشكلت منعطفا مهما في التعاون بين البلدين، باعتبارها أول زيارة رسمية لملك سعودي إلى بكين، وعلى هامش الزيارة وقع الطرفان اتفاقيات بأكثر من 65 مليار دولار. وقد استحوذت المملكة على أكثر من 20.3% من استثمارات الصين في العالم العربي بين العامين 2005 و2020، والبالغة 196.9 مليار دولار. وجاءت السعودية كأكبر الدول العربية استقبالا للاستثمارات الصينية خلال تلك الفترة بنحو 39.9 مليار دولار، كما بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 10 مليارات ريال، وتعد المملكة بين الدول العشر الأولى المستثمرة في الصين حتى نهاية العام 2022. الصينيون يستثمرون في السعودية في العام الجاري، أبدت 15 شركة صينية رغبتها في الاستثمار في المملكة، والدخول في مشاريع الخصخصة لعدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية. وبدأت شركات صينية في تنفيذ مشاريعها، مثل شركة "شنغكونغ" (Shengkong) التي وضعت حجر الأساس لمصنع لمصابيح الإضاءة "إل إي دي" (LED) في مدينة الجبيل بقيمة تتجاوز 3.3 مليارات ريال (880 مليون دولار). كما تم تدشين مشروع مصنع شركة "بان آسيا" (Pan Asia) الصينية في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، باستثمارات قدرها 4 مليارات دولار. وتستعد المملكة والصين لإطلاق مشروع شركة "سابك فوجيان" للبتروكيميائيات المحدودة، وهو مشروع مشترك يشمل معمل تكسير ذا سعة عالية وينتج عددا من المنتجات البتروكيميائية، وتقدر قيمة المشروع ب22.5 مليار ريال (6 مليارات دولار). وفي مجال الطاقة، احتفظت المملكة بصدارة إمدادات النفط إلى الصين في العام 2021، إذ ارتفعت الواردات الصينية من المملكة بنسبة 3.1% مقارنة ب2020 وزادت حصتها إلى 17% من إجمالي الواردات، وفقا لبيانات الجمارك الصينية. صندوق سعودي صيني وتعزيزا للعلاقات الاقتصادية بين البلدين تم تأسيس صندوق سعودي صيني، لدعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة برأس مال يقدر ب1.5 مليار ريال سعودي (400 مليون دولار) بشراكة بين "إي دبليو تي بي" (eWTp) الصينية المدعومة من قبل شركة "علي بابا" وصندوق الاستثمارات العامة، وبدعم من الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، بهدف الإسهام في دعم منظومة اقتصادية متينة للأعمال الرقمية في السعودية. تفعيل الشراكة بقيادة ولي العهد وتعززت العلاقات السعودية الصينية بشكل كبير في عام 2019 بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى بكين، والتي ترأس خلالها الجانب السعودي في أعمال الدورة الثالثة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى. وخلال الزيارة تم التطرق إلى التعاون المشترك بين البلدين، بالإضافة إلى بحث تعزيز أوجه التعاون في الجوانب التجارية والاستثمارية والطاقة والثقافة والتقنية، واستعراض آفاق الشراكة الثنائية بين الجانبين في نطاق رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق. كما أقيم على هامش الزيارة منتدى الاستثمار السعودي الصيني الذي شهد مشاركة أكثر من 25 جهة من القطاعين الحكومي والخاص في المملكة، ونتج عنه توقيع 35 اتفاقية تقدر بأكثر من 28 مليار دولار أميركي، وتسليم 4 تراخيص لشركات صينية متخصصة في عدد من المجالات. وشملت اتفاقيات التعاون الأخرى الموقعة خلال المنتدى مجالات القطاعات المستهدفة من قبل المملكة، مثل تطبيقات الطاقة المتجددة، ومنها اتفاقية التعاون بين الهيئة العامة للاستثمار، و"قولد ويند الدولية القابضة" الهادفة إلى تفعيل أطر التعاون والتشاور في مجال تطوير الاستثمار في توربينات الرياح الهوائية عن طريق تصنيع أجهزة التحكم الكهربائية، وهياكل المحركات الهوائية وشفرات التوربينات والمولدات الهوائية باستثمار يقدر ب18 مليون دولار. كما تم التوقيع على اتفاقيات تشمل كلا من صناعة البتروكيميائيات وتقنية المعلومات والبنية التحتية ضمن قائمة القطاعات الاستثمارية المستهدفة. ويتوقع الخبراء أن تشهد الفترة المقبلة لربما مضاعفة للأرقام، بحكم الانفتاح الكبير الذي تنتهجه بكين مع الرياض والعواصم العربية مستقبلا.